حقوق المرأة في الإسلام: توازن بين التكريم والتنظيم
الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة، وجعل شريعته رحمة للعالمين، فأرسى بها قواعد العدالة بين الناس، وأكرم المرأة بمنزلة رفيعة في كافة شؤون الحياة. نحمده سبحانه على ما أنعم وأعطى، ونثني عليه الخير كله، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، المبعوث رحمة للعالمين، الذي بيَّن مكانة المرأة في الإسلام، وأمر بتكريمها وصون حقوقها، فكان خير من دلّ البشرية على الطريق القويم في التعامل مع النساء. صلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
حقوق المرأة في الإسلام تمثل منظومة متكاملة تقوم على التوازن الدقيق بين التكريم والتنظيم، بحيث تُحترم مكانة المرأة في المجتمع، وتُضمن لها حقوقها الشرعية، في توازن لا يخل بالنظام الاجتماعي. فقد أعطى الإسلام المرأة مكانة عظيمة وحقوقًا واسعة لم تحظَ بها في العديد من الحضارات الأخرى، فجعل لها الحق في التعليم، والحق في التملك والتصرف في أموالها، والحق في اختيار شريك حياتها، والحق في العمل ضمن ضوابط تحقق مصلحة الفرد والمجتمع.
ومن أروع مظاهر تكريم الإسلام للمرأة ما ورد في القرآن الكريم من توجيهات تدعو إلى الإحسان إليها. يقول الله تعالى: “وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ” (النساء: 19)، وهو أمر صريح بالمعاملة الحسنة والمودة بين الزوجين. وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء خيرًا في خطبة الوداع بقوله: “استوصوا بالنساء خيرًا”، مما يدل على أهمية رعاية المرأة والحرص على احترامها في كل الأحوال.
وفي إطار تنظيم العلاقة بين المرأة والمجتمع، وضع الإسلام ضوابط تحقق التوازن بين حقوقها وواجباتها. فقد جعل الإسلام قوامة الرجل على الأسرة لا بوصفها تحكمًا أو استعلاء، بل مسؤولية تكليفية يقوم فيها الرجل برعاية الأسرة وتوفير الحماية والنفقة. قال الله تعالى: “الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ” (النساء: 34). وهذا الترتيب يسعى إلى تحقيق التكامل بين أدوار الرجل والمرأة لضمان استقرار الحياة الأسرية والاجتماعية.
كما كفل الإسلام حق المرأة في التعليم، وهو من أعظم الحقوق التي تُمكّنها من أداء دورها في المجتمع على أكمل وجه. وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: “طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة”، ليؤكد بذلك أهمية العلم للمرأة والرجل على حد سواء. التعليم في الإسلام لا يهدف فقط إلى تزويد المرأة بالمعرفة، بل يسعى أيضًا إلى تمكينها من تحقيق ذاتها، والمشاركة الفاعلة في بناء مجتمعها.
إضافة إلى ذلك، أقر الإسلام حق المرأة في العمل ضمن الأطر الشرعية التي تضمن كرامتها وتصونها. فالمرأة في الإسلام ليست ملزمة بالعمل خارج البيت، لكنها إن اختارت ذلك في إطار ما يناسب قدراتها وطبيعتها، فلها ذلك مع الحفاظ على الضوابط التي تحقق المصلحة العامة وتمنع الاختلاط غير المشروع أو استغلالها بأي صورة.
وفي جانب الحقوق الاقتصادية، أتاح الإسلام للمرأة حرية التملك والتصرف في أموالها دون وصاية من أحد، فقال تعالى: “لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ” (النساء: 32). وهذا الحق يمكّن المرأة من إدارة شؤونها المالية بنفسها، ويجعلها مستقلة في قراراتها الاقتصادية.
وفي الختام، يتضح لنا أن الإسلام قدم نموذجًا متكاملًا لحقوق المرأة، جمع بين التكريم والتنظيم. فقد أكرم المرأة ورفع مكانتها في المجتمع، وفي الوقت ذاته وضع تنظيمًا يحفظ الحقوق ويحقق التوازن بين الواجبات والمسؤوليات. هذا التوازن يهدف إلى تحقيق الاستقرار والطمأنينة في حياة المرأة، ويمكنها من أداء دورها الفاعل في بناء الأسرة والمجتمع.
نسأل الله العلي القدير أن يوفقنا جميعًا للسير على هدى الإسلام وتعاليمه، وأن يجعلنا من الداعين إلى تكريم المرأة وصون حقوقها، بما يحقق الخير والعدل في حياتنا. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.