محاسن القرآن من قوله تعالى: “فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ” (محمد: 19)
عبدالمجيد سلامة
الحمد لله الذي أنزل القرآن نورًا وهدى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
إن القرآن الكريم زاخر بالهدايات الربانية التي ترشد الإنسان إلى الصراط المستقيم، وتحقق له الطمأنينة والسكينة. ومن أعظم هذه الهدايات الأمر بالعلم والمعرفة في التوحيد، كما في قوله تعالى:
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ (محمد: 19)
هذه الآية الكريمة تحمل في طياتها معاني عظيمة وهدايات جليلة، وهي في ذاتها هدايات حسنة تفيض بالنور والرحمة والخير للعباد.
هدايات الآية الكريمة:
1. وجوب طلب العلم في التوحيد قبل القول والعمل
• أمر الله تعالى بالعلم أولًا قبل النطق بكلمة التوحيد، فقال: “فَاعْلَمْ”، وهذا يدل على أن الإيمان بالله يقوم على العلم واليقين، وليس مجرد تقليد أو وراثة.
• هذه الآية ترشد العبد إلى أن الإيمان الصحيح لا يكون إلا بالمعرفة والبصيرة، وليس مجرد ترديد للكلمات دون إدراك لمعناها.
2. التوحيد هو أعظم علم يُطلب
• هذه الآية تشير إلى أن أعظم العلوم وأشرفها هو العلم بتوحيد الله، فهو أساس الدين ومحور الإيمان.
• قال النبي ﷺ: “من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة” (رواه مسلم).
• العلم بالتوحيد يسبق العبادات والأعمال، لأن أي عمل لا يكون خالصًا لله لا يُقبل.
3. التوحيد أعظم ما يحقق السعادة والطمأنينة
• معرفة أن الله وحده هو الإله الحق، تبعث في القلب السكينة، فلا يخاف العبد إلا من ربه، ولا يذل إلا له.
• من أدرك هذه الحقيقة عاش مطمئنًا، متحررًا من التعلق بغير الله، وممتلئًا باليقين والثقة برحمة ربه.
4. الله وحده المستحق للعبادة
• قوله “لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ” يبين أن كل معبود سوى الله باطل، وأن العبودية الحقة لا تكون إلا لله الواحد الأحد.
• هذه الآية تعلم العبد أن لا يخضع، ولا يتذلل، ولا يستعين، ولا يتوكل، إلا على الله، وهذا يجعل الإنسان في مقام العزة والكرامة.
5. التوحيد مفتاح الجنة وأساس النجاة
• كلمة “لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ” هي مفتاح الجنة، كما قال النبي ﷺ: “من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة” (رواه أبو داود).
• هذه الآية ترشد العبد إلى أن كل النجاة والفلاح في الدنيا والآخرة قائم على تحقيق التوحيد.
محاسن الهدايات التي تهدي إليها الآية:
1. تقديم العلم على القول والعمل
• هذه الآية تظهر جمال التشريع الإلهي في تقديم العلم قبل العمل، فالقرآن يجعل العلم أول الواجبات، لأن العبادة لا تصح إلا على بصيرة.
• هذا يعكس عظمة الدين الإسلامي، حيث لا يُطلب من الإنسان الإيمان الأعمى، بل يُطلب منه العلم والتفكر والتدبر.
2. تحقيق الحرية القلبية من العبودية لغير الله
• التوحيد الذي تدعو إليه الآية يحرر الإنسان من التعلق بالمخلوقات، فيعيش مستغنيًا بالله وحده، غير محتاج إلى غيره.
• هذا يحقق الكرامة والعزة للإنسان، حيث لا يخضع إلا لخالقه، ولا يرجو إلا الله، مما يجعله مطمئنًا سعيدًا.
3. التوحيد يملأ القلب بالأمان والطمأنينة
• من أعظم محاسن التوحيد التي تدل عليها الآية أنه يزرع السكينة في قلب العبد، فلا يخاف من المستقبل، ولا يحزن على الماضي، بل يعيش في ثقة وطمأنينة بأن الله هو المدبر.
• قال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾ (الأنعام: 82).
4. التوحيد أساس الأخلاق والعمل الصالح
• معرفة أن الله وحده هو المستحق للعبادة يجعل الإنسان أكثر مراقبة لنفسه، فيحسن أخلاقه ويخلص أعماله، لأن من يعبد الله حقًا يكون أكثر صدقًا وأمانة.
• التوحيد يدعو إلى الإحسان، لأنه يجعل العبد يستشعر رقابة الله عليه في كل لحظة.
5. بيان أن أعظم ما يطلبه الإنسان في حياته هو الهداية للتوحيد
• هذه الآية تعلمنا أن أعظم مطلب ينبغي للإنسان أن يطلبه من الله هو العلم بالتوحيد والثبات عليه، فهو طريق النجاة الوحيد.
• قال النبي ﷺ: “اللهم إني أسألك علمًا نافعًا، ورزقًا طيبًا، وعملاً متقبلًا” (رواه ابن ماجه).
خاتمة
إن من محاسن القرآن الكريم أنه يهدي العباد إلى أعظم المعارف، ويأمرهم بطلب العلم الصحيح قبل أي شيء. فقوله تعالى: “فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ” يحمل في طياته هدايات عظيمة، ترشد الإنسان إلى أساس الإيمان، ومصدر الطمأنينة، ومفتاح النجاة في الدنيا والآخرة.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا العلم النافع، والعمل الصالح، والإخلاص في القول والعمل، والثبات على التوحيد حتى نلقاه.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.