تدابير الإسلام في حفظ الدين
عبدالمجيد سلامة
الحمد لله الذي أكرمنا بنور الإسلام، وجعل لنا من شريعته نورًا نهتدي به في ظلمات الجهل والتيه، نحمده سبحانه وتعالى حمدًا يليق بجلاله وعظيم سلطانه، ونشكره على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، وأعظمها نعمة الإسلام وكفى بها نعمة. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، خير من حمل الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد، فإن حفظ الدين هو أعظم المقاصد التي جاءت الشريعة الإسلامية لتحقيقها، فهو النور الذي يهدي الإنسان إلى الصراط المستقيم، وهو الحبل المتين الذي يصل العبد بربه، ومن دونه تضل البشرية في ظلمات الجهل والكفر والضلال. ولما كان الدين هو أساس الحياة السليمة، فقد أوجب الإسلام الحفاظ عليه، ووضع التدابير التي تضمن صونه من التحريف والتغيير والضياع، فجاءت الشريعة بنظام متكامل من العبادات، والتشريعات، والحدود، والعقوبات، التي تحفظ الدين من أي تهديد أو انحراف.
أهمية حفظ الدين في الإسلام
الدين في الإسلام ليس مجرد طقوس أو عبادات فردية، بل هو نظام شامل للحياة، يشمل العقيدة، والأخلاق، والمعاملات، وجميع شؤون الإنسان. وحفظ الدين هو أساس استقامة المجتمعات، فإن ضاع الدين ضاعت القيم وانتشر الفساد، ولذلك جاءت التشريعات الإسلامية لتحمي الدين وتحفظه من أي اعتداء داخلي أو خارجي.
إن حفظ الدين لا يقتصر على حماية العقيدة من الانحراف، وإنما يشمل أيضًا تطبيق العبادات، وحماية الشريعة، والدفاع عن الإسلام من الشبهات، ومواجهة التيارات الفكرية التي تحاول تشويه الدين، وإقامة حدود الله التي تمنع التحريف والانحراف.
التدابير الشرعية لحفظ الدين
لقد شرع الإسلام عدة وسائل لحفظ الدين، منها ما يتعلق بالفرد، ومنها ما يخص المجتمع، ومنها ما يتصل بالدولة، وسنتناولها بالتفصيل في المحاور الآتية:
أولًا: ترسيخ العقيدة الصحيحة
- الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك:
- التوحيد هو جوهر الدين، فلا يصح الإسلام إلا بالإيمان بوحدانية الله، كما قال تعالى:
“قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفوًا أحد” (الإخلاص: 1-4). - ولهذا، كان أول ما دعا إليه النبي ﷺ هو التوحيد، حيث قال: “قولوا لا إله إلا الله تفلحوا” (رواه أحمد).
- التوحيد هو جوهر الدين، فلا يصح الإسلام إلا بالإيمان بوحدانية الله، كما قال تعالى:
- تحريم البدع والانحرافات العقدية:
- البدع من أخطر ما يهدد الدين، فهي تُدخِل في الإسلام ما ليس منه، وتؤدي إلى الانحراف عن المنهج الصحيح.
- قال النبي ﷺ: “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد” (رواه البخاري ومسلم).
ثانيًا: الحفاظ على العبادات كوسيلة لحفظ الدين
العبادات في الإسلام ليست مجرد أعمال ظاهرية، بل هي وسائل لحماية الدين وتقويته في قلوب الناس، وأهمها:
- الصلاة: وهي عمود الدين، من أقامها أقام الدين، ومن هدمها هدم الدين. وقد قال النبي ﷺ: “العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر” (رواه الترمذي).
- الصيام: وسيلة لتطهير القلب وتعويد النفس على الطاعة، وهو فريضة تحفظ الإنسان من الانحراف.
- الزكاة: تحفظ التماسك الاجتماعي وتضمن أن يبقى الدين حاضرًا في حياة الناس من خلال التكافل بين المسلمين.
- الحج: يرسّخ الانتماء للأمة الإسلامية، ويجعل المسلمين على صلة مستمرة بدينهم.
ثالثًا: نشر العلم الشرعي والتربية الدينية
- الأمر بالعلم والتعلم:
- العلم هو الحصن الذي يحمي الدين من التحريف، ولذلك جعل الإسلام طلب العلم فريضة. قال النبي ﷺ: “طلب العلم فريضة على كل مسلم” (رواه ابن ماجه).
- إقامة دور العلم والمساجد:
- المساجد ليست فقط للصلاة، بل هي مراكز لنشر العلم الديني، حيث تُعقد فيها الدروس والمواعظ التي تحمي الدين من الجهل.
- مواجهة الشبهات بالفكر الصحيح:
- في ظل انتشار الشبهات، أصبح من الضروري توضيح الحقائق والرد على المغالطات التي تستهدف الإسلام.
رابعًا: الحماية القانونية للدين من التشويه
- تشريع الحدود لحماية الدين:
- وضع الإسلام عقوبات رادعة لكل من يحاول هدم الدين أو تحريفه، مثل حد الردة، لمنع التلاعب بالعقيدة.
- تحريم الإلحاد والزندقة:
- الزندقة والإلحاد خطر يهدد العقيدة، ولذلك حرّم الإسلام هذه الأفكار التي تفسد الدين وتضلل الناس.
- حماية المقدسات الإسلامية:
- منع الاعتداء على المساجد والرموز الإسلامية، وتشريع القوانين التي تحمي الدين من الإساءة.
خامسًا: تعزيز وحدة الأمة الإسلامية للحفاظ على الدين
- الأمر بالوحدة ونبذ الفرقة:
- الإسلام يدعو إلى وحدة المسلمين، لأن التفرقة تؤدي إلى ضعف الدين، كما قال تعالى:
“واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا” (آل عمران: 103).
- الإسلام يدعو إلى وحدة المسلمين، لأن التفرقة تؤدي إلى ضعف الدين، كما قال تعالى:
- محاربة التعصب والطائفية:
- الطائفية والتعصب يؤديان إلى تمزق الأمة، لذلك شدد الإسلام على ضرورة التسامح والتعايش بين المسلمين.
- إقامة الشورى والعدل في الحكم:
- الحكم العادل القائم على الشورى هو الضمان لاستمرار الدين، حيث يمنع الظلم والفساد من إضعاف العقيدة.
خاتمة
الحمد لله الذي حفظ دينه، وجعل له حراسًا وعلماء يحملون رايته، وشرع لنا من الأحكام ما يحميه من الضياع والتحريف. ونسأله سبحانه أن يجعلنا من العاملين لدينه، والذابين عن حياضه، وأن يثبتنا على الصراط المستقيم، ويجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.