{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ}
لقد أظهرت الدراسات أن الإسلام هو أكثر الديانات إنتشارا، وإذا بحثت عن السبب وجدته في الإسلام ذاته، فلقد فطر الناس على حب اليسر وما هو أجود، فما من فطرة سوية إلا وتقبل الإسلام لأنه دين الله، ولقد قامت الحجج والبينات على طول الزمان منذ بعث محمد بن عبدالله رسول الله إلى زماننا هذا تبين أن الإسلام هو الدين الحق، وأنه فاق كل دين، فاق اليهودية وفاق النصرانية وفاق المذاهب والأديان الأرضية، باختصار شديد لأنه دين الله الذي أنزله للناس إلى قيام الساعة.
فكل يوم يكتشف الناس شيئا ويفرحون بكشفهم ثم يفاجئون أن سبقهم هذا ما سبقوا إليه، وإنما غاية ما وصلوا إليه، أنهم أثبتوا وتوصلوا واكتشفوا أمورا يثبتون بها صدق الدين الذي هم عنه غافلون، أو يثبتون صدق الدين الذي تحاربه طوائف ومنظمات وهيئات من بني جلدتهم، وكأن الله يضرب بعضهم ببعض وفي الوقت نفسه إقتداء لعزته يثبت صدق دينه، ويقيم الحجة علي المعرضين عنه.
ولقد بين الله سبحانه وتعالى هذه الحقيقة قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: 53]
قال الشيخ أبو بكر الجزائري رحمه الله وهو من علماء المسلمين في بيان هذه الآية: المعنى: قال تعالى: {سنريهم آياتنا} الدالة على صدقنا وصدق رسولنا فيما أخبرناهم به ودعوناهم إليه من الإِيمان والتوحيد والبعث والجزاء وذلك في الآفاق أي من أقطار السموات والأرض مما ستكشف عنه الأيام من عجائب تدبير الله ولطائف صنعه، وفى أنفسهم أيضا أي في ذواتهم حتى يتبين لهم أنه الحق، من ذلك فتح القرى والأمصار وانتصار الإِسلام كما أُخبر به القرآن، ووقعة بدر وفتح مكة من ذلك وما ظهر لِحَدّ الآن من كشوفات في الآفاق وفى الأنفس مما أشار إليه القرآن ما هو أعجب من ذلك قوله تعالى: {ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون} فنظام الزوجية الساري في كل جزئيات الكون شاهد قوي على صدق القرآن وأنه الحق من عند الله، وان الله حق وأن الساعة حق وقوله تعالى: {أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد؟} هذا توبيخ لهؤلاء المكذبين بإعلامهم أن شهادة الله كافية في صدق محمد وما جاء به إن الله هو المخبر بذلك والآمر بالإيمان به فكيف يطالبون بالآيات على صدق القرآن ومن نزل عليه والله المرسل للرسول والمنزل للكتاب.
هذه الإكتشافات الكثيرة التي يسميها العلماء بالإعجاز العلمي، حتى أنها من كثرتها صنفت فيها كتب وموسوعات، وأعدت لها مواقع الويب باللغات المتعددة، ليرى الناس عربهم وعجمهم آيات الله ودلائل صدق محمد بن عبدالله حين يخبر عن شيء لا يعلمه معاصروه لانه مضى قبل مولده ومولدهم بآلاف السنين، أو يخبر عن شيء يأتي بعده بقرون عديدة يطابق ما ذكر، أو يكون ما يخبر به شيء خفي يستحيل على الناس أن يعرفوه من أنفسهم، بل يستحيل على محمد بن عبدالله نفسه أن يأتي به من عند نفسه.
كل هذه الأشياء كيف أخبر بها وهو بشر لا طاقة لها بعلمها من نفسه، إنما علمها له اللطيف الخبير الله رب العالمين.
إني أكتب الآن هذا المقال لا لأتحدث عن هذه الأمور التي قالها محمد ثم جاءت موافقة لما قال، إنما أتحدث لأضيف إليها هذه الحقيقة، وهي أنه أخبر أن الله سيكشف للناس أمورا وحقائق في السماوات والأرض وفي أنفسهم من الناحية الخلقية من لحم ودم وعناصر وماء وغيرها والتركيبية كتركيب المفاصل والعظام، والأوردة والشرايين والأجهزة الداخلية للجسم ومن الناحية الأخلاقية من حب وخوف وهلع وغيرها من الأخلاق كالصدق والكذب.
كل هذا قد اكتشفه الناس فوجدوه تام التوافق بنسبة 100% لما أخبر عنه محمد بن عبدالله، ولو وجدوا شيئا خالف هذا فإنما جاء من حيث خطأ المفسر أو أوقع أو حمل الدليل الشرعي ما لا يحتمل، أو أن ما يسمي بالحقيقة العلمية ليست صحيحة من الأساس وإنما هي ظن وخرص وتخمين، ومن ثم ستخالف ما جاء عن محمد بن عبدالله.
وهذا إن وجد فإنما يوجد في جزئيات إما الأصل أن العلماء أكتشفوا أمورا كثيرا توافق وتطابق ما أخبر به محمد رسول الله، ليبقي أمام الجميع بالدليل المادي أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أرسله للعالمين من الإنس والجن والعرب والعجم واليهود والنصارى والبوذيين والمجوس وغيرهم من أصحاب الديانات والمذاهب والملل وأمرهم أن يؤمنوا به، خاصة وأنه قامت لديهم الأدلة على صدقه.
أكتب لأقول كيف يذكر محمد حقيقة لم تظهر إلا بعد موته بقرون عديدة، وهي أنه العلماء سيكتشفون أمورا تدل على صدقه، وأتسائل إن لم يكن محمد بن عبدالله رسول من الله فماذا يستفيد من إخباره للمسلمين أن الله سيرى الناس الدلائل على صدقه وصدق الكتاب المنزل إليه؟
ولقد جاء الزمان الذي تطورت فيه أجهزة البحث والإستكشاف واكتشفت النظريات واخترعت الأجهزة والآلات لتستعمل في البحث والنظر في آفاق الأرض وفي الأنفس، لتخرج لنا الدلائل المناسبة لعقليات أهل زماننا على صدق محمد بن عبدالله الذي تلا قول الله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: 53]
فلقد ظهرت الدلائل على صدقه فيما أخبر عنه في الأرض والسماء، وفي الأنفس، والأحياء، وفي كل مجال دخله الإنسان ليستكشف أغواره وليعرف أسراره، بدء مما يتعلق بالمجرة وما هو أكبر، إلى ما يتعلق بالذرة وما هو أدق وأصغر.
هذه الحقائق والدلائل على صدقه التي إن جمعت لسودت فيها الموسوعات، ولإنشغل بإعدادها وترتيبها عشرات العلماء، من الذي أخبر محمدا بها، ومن الذى أخبره بأنه سيريهم آياته؟
لا أحد غير الله.