التوراة تصدق محمدا
جاء في سفر التثنية الإصحاح: 18 اقيم لهم نبيا من وسط اخوتهم مثلك واجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما اوصيه به 19 ويكون ان الانسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي انا اطالبه. 20 واما النبي الذي يطغي فيتكلم باسمي كلاما لم اوصه ان يتكلم به او الذي يتكلم باسم الهة اخرى فيموت ذلك النبي. 21 وان قلت في قلبك كيف نعرف الكلام الذي لم يتكلم به الرب. 22 فما تكلم به النبي باسم الرب ولم يحدث ولم يصر فهو الكلام الذي لم يتكلم به الرب بل بطغيان تكلم به النبي فلا تخف منه.
هذا السفر يقول أن الله قال لموسي أنه سيقيم لبني إسرائيل نبيا مثله من وسط إخوتهم، وهنا تيبارى المسلمون واهل الكتاب، المسلمون يثبتون أن النبي الذي سيقيمه الله لبني إسرائيل هو محمد بن عبدالله فمحمد رسول الله للناس أجمعين وليس لبني إسرائيل فقط، فبنو إسرائيل ما هم إلا قلة قلة إذا نظرت إلى عددهم بالنسبة لمن أرسل إليهم محمد بن عبدالله، فلقد أرسل للعالمين، فكم يبلغ عدد أهل الكتاب بالنسبة للعالمين عربهم وعجمهم؟
بلا شك لا يضر محمد كفر بني إسرائيل، فلو افترضنا أنهم غير موجودين لكان الناس الذين بعث لهم محمد عدد كبير يعجز العاد من الناس عن إحصائه، ولكن المنتفع والمتشرف بمحمد هم اليهود أنفسهم حين يؤمنون به، لهذا فالله بشر موسى أنه سيبعث مثيلا له لينتفع بنو إسرائيل بإتباعه لا أن هذا النبي يتشرف بإتباع بني إسرائيل له.
في الوقت الذي يثبت فيه المسلمون أن النبي المقصود في هذه النبوءة هو محمد بن عبدالله رسول الله وخاتم النبيين، نرى أهل الكتاب من النصارى يلوون النبوءة لتخالف فهم العقل، وينفون دلالتها في حق محمد، محاولين إثبات أن محمدا ليس هو المقصود في النبوءة ولكنه عيسى عليه السلام.
أما اليهود فينكرون أصلا نبوة عيسى، لكنه الخداع الذي يخدعون به النصارى، فنرى النصارى يطبعون التوراة مع الانجيل على اعتبارها العهد القديم وأناجيلهم العهد الجديد في حين أن اليهود لا يؤمنون بنبوة نبيهم أو إلههم حين جعلوا منه إله، أو ابن إله كما عند طائفة أخرى من طوائف النصارى.
وأسائل النصارى هل يقدس اليهود كتابكم المقدس من الجلدة للجلدة بكل ما فيه، كما تقدسونه أنتم؟
بغض النظر عن اثبات علماء الإسلام أن صاحب النبوة هو محمد بن عبدالله، وبغض النظر أيضا عن تكذيب أهل الكتاب أن محمد هو صاحب النبوءة، فأنا لن اتكلم في هذه الفقرة من النبوءة، مع أن الكتاب المقدس الذي بأيدي أهل الكتاب فيه بشارات بأن الملك سيذهب من بني إسرائيل ويعطاه غيرهم، وغير ذلك مما هو في الكتاب المقدس مثل ما يبين ما كان عليه بنو اسرائيل من سوء، أو يبين أن علامات النبي المنتظر لا تنطبق على أحد أبدا في عيني من أراد الحق وتجرد للوصول إليه إلا على محمد بن عبدالله، أما الجاحد بطبعه فلا يستحي أن يذهب في جحوده إلى إنكار الشمس في رابعة النهار.
أني فقط أدعو إلى التأمل فيما ورد عن هذا النبي وبيان التوراة للناس، كيف يعرفون النبي الصادق من الكاذب، ثم يطبقون هذا على محمد بن عبدالله بعد أن يقرأوا سيرته صلى الله عليه وسلم، ليتضح لهم من هو النبي الذي ينطبق عليه الكلام في النبوءة بدءا من قول:
(واجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما اوصيه به 19 ويكون ان الانسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي انا اطالبه. 20 واما النبي الذي يطغي فيتكلم باسمي كلاما لم اوصه ان يتكلم به او الذي يتكلم باسم الهة اخرى فيموت ذلك النبي. 21 وان قلت في قلبك كيف نعرف الكلام الذي لم يتكلم به الرب. 22 فما تكلم به النبي باسم الرب ولم يحدث ولم يصر فهو الكلام الذي لم يتكلم به الرب بل بطغيان تكلم به النبي فلا تخف منه.)
هل جاء عيسي أو غيره بشيء يثبت أن كلام الله في فمه، هل جاءوا بفقرة في الانجيل أو تناقل الناس عنه هذا المعني؟
أريد أن أؤكد حقيقة لا مرية فيها، وهي أن محمد بن عبدالله كان أمي لا يعرف القراءة ولا الكتابة، يعرف هذا عنه القاصي والداني، وأيضا ما نسب أحد لمحمد في زمانه من أعدائه الذين حاولوا حربه وإطفاء نور الله الخارج من فمه وهو القرآن والوحي بكل صورة، فقالوا كذاب وقالوا ساحر، وحاولوا قتله وحاولوا سحره، فعلوا كل ما استطاعوا لإطفاء نور الله حتى أنزل الله قوله تعالى:
{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: 8]
ولكن ماذا عن محمد بن عبدالله؟
لقد تلا محمد قرآنا جاء فيه قول الله تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)} [النجم: 1 – 5]
أنظروا إلى قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} ما معناها؟
قال مقاتل: {وما ينطق} محمد هذا القرآن {عن الهوى} أي: من تلقاء نفسه
وقال الطبري: يقول تعالى ذكره: وما ينطق محمد بهذا القرآن عن هواه {إن هو إلا وحي يوحى} يقول: ما هذا القرآن إلا وحي من الله يوحيه إليه.
ومن المعلوم أن السنة تنقسم إلى أحاديث نبوية وأحاديث قدسية:
فالحديث القدسي معناه من الله، والكلام يتكلم به رسول الله ليؤدي المعنى الذي يوحيه الله إليه، فحين يتكلم رسول الله فإنما هو يتكلم عن الله مباشرة فيقول محمد صلى الله عليه وسلم: (: قال الله: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما … ) الحديث، أو يقول: (قال الله: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر) الحديث، فمثل هذه الأحاديث إنما يتكلم فيها محمد بن عبدالله عن الله تعالى، كأن كلام الله في فمه.
هذا غير القرآن الذي يوحيه الله لمحمد بن عبدالله عن طريق جبريل عليه السلام، باللفظ، فيتعبد المسلمون بتلاوتهم اللفظ، أما في الحديث القدسي فلا يتعبدون بتلاوة اللفظ كالقرآن، لكن معناه من الله نطق به محمد بن عبدالله،
فهل جاء نبي بمثل ما جاء به محمد بن عبدالله، من أن ينطق عن الله بلفظه هو المعني الذي يريده الله تعالى، هل جاء عيسى عليه السلام بمثل هذا، لننظر أهو الذي يماثل موسى أم لا؟ إن شيئا كهذا لم يعرف عن عيسى عليه السلام، فلماذا يتغافل أهل الكتاب عن هذا المعنى، الذي هو أول أوصاف النبي المثيل لموسى؟
إن هذا المعنى توفر عند محمد ولم يتوفر عند عيسى ولا عند غيره، وهل كان محمد يعلم هذا حتى يجيء بهذه الأحاديث من عنده؟ ما كان يعلم عنها شيئا وما قرأ كتب أهل الكتاب، فما الداعي لمثل هذا النوع من الأحاديث إن لم تكن من عند الله معناها.
ثم نتسائل: هل جاء نبي غير محمد فقال إنه إن قال على الله ما لم يأمره الله به لقتله الله؟
أخبروني من قال هذا يا أهل الكتاب من الأنبياء، أفي التوراة أو في الإنجيل هذا؟ وفي أي سفر هو، وفي أي إصحاح هو؟
إن هذا المعني لا تجده إلا في كتاب واحد وهو القرآن الكريم، الكتاب المنزل على محمد بن عبدالله، السفر يقول: (ويكون ان الانسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي انا اطالبه)
المعني من هذا أن من يكذب ذلك النبي المثيل لموسي فإن الله عز وجل يطالبه، أي يعاقبه ويحاسبه على عدم سماعه لما كلمه الله به مما هو منزل على هذا النبي.
فهل هذا المعني ورد عن عيسى في الإنجيل؟
إن هذا المعني ورد في القرآن المنزل على محمد بن عبدالله، في آيات عدة منها آيات تأمر باتباعه، وأيات أخرى تنهي عن عصيانه وتتوعد العاصين له بالعذاب.
قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59].
وقال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115]
وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31]
هذه بعض الآيات التي تبين هذا المعني الموجود في السفر الذي جاء فيه أن الله سجعل لبني إسرائيل نبيا من إخوتهم، فأين هذه المعاني في الإنجيل؟
والسفر يقول أيضا: (واما النبي الذي يطغي فيتكلم باسمي كلاما لم اوصه ان يتكلم به او الذي يتكلم باسم الهة اخرى فيموت ذلك النبي. 21)
وانظر ماذا قال القرآن؟ قال الله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52)} [الحاقة: 38 – 52]
انظر ماذا يقول المفسرون في هذه الآيات:
قال ابن كثير رحمه الله: يَقُولُ تَعَالَى مُقسمًا لِخَلْقِهِ بِمَا يُشَاهِدُونَهُ مِنْ آيَاتِهِ فِي مَخْلُوقَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى كَمَالِهِ فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَمَا غَابَ عَنْهُمْ مِمَّا لَا يُشَاهِدُونَهُ مِنَ الْمُغَيَّبَاتِ عَنْهُمْ: إِنَّ الْقُرْآنَ كلامُه وَوَحْيُهُ وتنزيلُه عَلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ، الَّذِي اصْطَفَاهُ لِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، فَقَالَ: {فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لَا تُبْصِرُونَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} يَعْنِي: مُحَمَّدًا، أَضَافَهُ إِلَيْهِ عَلَى مَعْنَى التَّبْلِيغِ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُبَلِّغَ عَنِ الْمُرْسِلِ؛ وَلِهَذَا أَضَافَهُ فِي سُورَةِ التَّكْوِيرِ إِلَى الرَّسُولِ الْمَلَكِيِّ: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} وَهَذَا جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ.
ثُمَّ قَالَ: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} يَعْنِي: مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَلَقَدْ رَآهُ بِالأفُقِ الْمُبِينِ} يَعْنِي: أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى جِبْرِيلَ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خَلَقَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا، {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} أَيْ: بِمُتَّهَمٍ {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ} [التَّكْوِيرِ: 19 – 25]، وَهَكَذَا قَالَ هَاهُنَا: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلا مَا تُؤْمِنُونَ وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ}، فَأَضَافَهُ تَارَةً إِلَى قَوْلٍ الرَّسُولِ الْمَلَكِيِّ، وَتَارَةً إِلَى الرَّسُولِ الْبَشَرِيِّ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُبَلِّغٌ عَنِ اللَّهِ مَا اسْتَأْمَنَهُ عَلَيْهِ مِنْ وَحْيِهِ وَكَلَامِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {تَنزيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ، حَدَّثَنَا شُرَيح بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: خَرَجْتُ أَتَعَرَّضُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ أُسْلِمَ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي إِلَى الْمَسْجِدِ، فَقُمْتُ خَلْفَهُ، فَاسْتَفْتَحَ سُورَةَ الْحَاقَّةِ، فَجَعَلْتُ أَعْجَبُ مِنْ تَأْلِيفِ الْقُرْآنِ، قَالَ: فَقُلْتُ: هَذَا وَاللَّهِ شَاعِرٌ كَمَا قَالَتْ قُرَيْشٌ. قَالَ: فَقَرَأَ: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلا مَا تُؤْمِنُونَ} قَالَ: فَقُلْتُ: كَاهِنٌ. قَالَ فَقَرَأَ: {وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ تَنزيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} لَى آخِرِ السُّورَةِ. قَالَ: فَوَقَعَ الْإِسْلَامُ فِي قَلْبِي كُلَّ مَوْقِعٍ.
{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ (44) لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52)}
يَقُولُ تَعَالَى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا} أَيْ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كَانَ كَمَا يَزْعُمُونَ مُفْتَرِيًا عَلَيْنَا، فَزَادَ فِي الرِّسَالَةِ أَوْ نَقَصَ مِنْهَا، أَوْ قَالَ شَيْئًا مِنْ عِنْدِهِ فَنَسَبَهُ إِلَيْنَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لَعَاجَلْنَاهُ بِالْعُقُوبَةِ. وَلِهَذَا قَالَ {لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} قِيلَ: مَعْنَاهُ لَانْتَقَمْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ؛ لِأَنَّهَا أَشَدُّ فِي الْبَطْشِ، وَقِيلَ: لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِيَمِينِهِ.
{ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَهُوَ نِيَاطُ الْقَلْبِ، وَهُوَ العِرْقُ الَّذِي الْقَلْبُ مُعَلَّقٌ فِيهِ. وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالْحَكَمُ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَمُسْلِمٌ البَطِين، وَأَبُو صَخْرٍ حُميد بْنُ زِيَادٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: هُوَ الْقَلْبُ ومَرَاقَّه وَمَا يَلِيهِ.
وَقَوْلُهُ: {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} أَيْ: فَمَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنْكُمْ عَلَى أَنْ يَحْجِزَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ إِذَا أَرَدْنَا بِهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. وَالْمَعْنَى فِي هَذَا بَلْ هُوَ صَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، مُقَرِّرٌ لَهُ مَا يُبَلِّغُهُ عَنْهُ، وَمُؤَيِّدٌ لَهُ بِالْمُعْجِزَاتِ الْبَاهِرَاتِ وَالدَّلَالَاتِ الْقَاطِعَاتِ.
ثُمَّ قَالَ: {وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} يَعْنِي: الْقُرْآنَ كَمَا قَالَ: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} [فُصِّلَتْ: 44].
ثُمَّ قَالَ {وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ} أَيْ: مَعَ هَذَا الْبَيَانِ وَالْوُضُوحِ، سَيُوجَدُ مِنْكُمْ مَنْ يُكَذِّبُ بِالْقُرْآنِ.
ثُمَّ قَالَ: {وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ} قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَإِنَّ التَّكْذِيبَ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ يَوْمَ القيامة.
بينت الآيات أن الله تعالى يدافع عن محمد وينصره ويؤازره، وأنه لو كان كاذبا لقتله الله، بأن يقطع الحبل الذي معلق به القلب، وما يسمي بالشريان، فمتي انقطع هذا الشريان مات الإنسان. فهل أمات الله محمدا لأنه كذب عليه؟ أم أبقاه ونصره على اليهود الذين يقولون نحن أبناء الله؟
ولماذا لم ينصر الله اليهود على نبيه ما دام هم شعب الله المختار وما داموا هم أبناء الله وأحباؤه؟
إننا نرى العكس تماما هو الذي كان؟ أرادوا أن يقتلوه فمنعه الله منهم، وقتل من عادوه من اليهود كحي بن أخطب وأخوه ياسر، وغيره من اليهود الذين أرادوا خيانته والغدر به ومن معه من المسلمين، فأمكنه الله منهم، فقتل منهم وأسر، ونصره الله على النصارى وملكوا البلدان التي كانت تحت أيديهم في وقت كانوا هم أحدى القوي العظمي في الأرض بل كانوا أعظم القوتين وأغلبهم.
فهل معنى هذا أن محمد رسول من الله تعالى؟ أم أن الله لم يقل هذه الفقرة في التوراة: (واما النبي الذي يطغي فيتكلم باسمي كلاما لم اوصه ان يتكلم به او الذي يتكلم باسم الهة اخرى فيموت ذلك النبي. 21)؟
أي الأمرين نأخذ به: صدق محمد وأنه رسول الله حقا؟ أم أن التوراة محرفة؟ وأن هذا الكلام لم يقله الله وإنما هو من وضع البشر لنخلص من ذلك إلى حقيقة أثبتها القرآن وهي أن التوراة والإنجيل عبثت بهم أيدي البشر، لنعود من جديد لنثبت صدق محمد صلى الله عليه وسلم.
إن كون محمد بن عبدالله رسول الله حقا وصدقا حقيقة لا مرية فيها، مهما عاند الناس، وهذا يبين صدق محمد من جديد أيضا في قوله تعالى: {وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49)} فلو لم يوجد من يكذب بصدق محمد لكذب محمد، لأن الله بين أن من الناس من يكذبه وسيبقي على مر الدهر أناس يكذبون محمد صلى الله عليه وسلم، ليكون تكذيبهم برهان على صدقه، لأنه أخبر بشيء يكون في زمانه وبعده، ففي زمانه هو يراه ويلمسه، فهل يعلم محمد ما يكون في المستقبل؟ بالطبع لا، إلا أن يكون وحي سماوي، فكيف عرف محمد أن من الناس من سيكذبه في المستقبل.
إن المكذبين لكتابي هذا لهم دليل على صدقه ليكونوا لغيرهم برهان على صدق ما أقوله.
وأسائل الفطر السليمة، لو لم يكن محمد نبي، فما الذي يدفعه لأن يقول هذا الكلام؟ ومعلوم أن كل كاذب يعمل جاهدا لإخفاء كل شيء من شأنه أن يدفع الناس للبحث في بيان حاله من حيث صدقه وكذبه، ولا يسلك هذا المسلك الذي سلكه محمد من التعرض لقضية بيان صدقه إلا الإنسان الصادق.
والآن أسألك أيها القاريء المنصف، إن لم يكن محمد بن عبدالله رسول فمن أخبره بهذه المعاني الموافقة لنبوءة موسي؟