أنهار مصر القديمة

كنت عندما أرى صورة لمعبد من معابد مصر القديمة المترامية في الصحراء، لا ينشغل بالي بالإنبهار بجمالها ولا قوتها، ولكنه كان ينشغل بالسبب الذي جعلهم بنوها في هذه الصحراء القحلة الجرداء التي لا زرع فيها ولا ماء.
فبناء المصريين لهذه الأهرامات أو المعابد والقصور في وسط الرمال كان بالنسبة لي نوع من العبث، وما كانت ملوك مصر ولا أهلها من العجز العقلي بالمكان الذي يجعلهم يعبثون هذا العبث.
وكنت أتسائل هل كانت حول هذه المعابد والقصور مياه وحياة؟ المنطق يقول نعم والعقل يقول نعم، لكن العين ترى غير ذلك.
لما نعود لقصة نبي الله إبراهيم وكيف أنه ذهب بزوجته وولده إسماعيل إلى أرض لا زرع فيها ولا ماء، نراه استجاب لما أمر به، وهكذا المؤمن عليه أن يسلم لأمر الله حتى ولو لم يعرف العلة من الأمر الذي أمره الله به، فالله لا يفعل شيئا إلا بمقتضى الحكمة.

ومع هذا وقف إبراهيم يدعو ربه قائلا كما جاء في القرآن:
{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (38) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40)} [إبراهيم: 37 – 40]
فها هو نبي الله بفطرته يعلم أنه لكي تقيم زوجته وولده في هذا البلد، فإنهم يحتاجون إلى أن يرزقوا من الثمرات، ولا تكون الثمرات بغير المياه، ومع هذا سلم لأمر الله لأنه يعلم أن الله يعلم كل شيء، ولا يخفي عليه شيء.
ولقد استجاب الله دعوته، ففجر بئر زمزم فشربت منه هاجر وابنها اسماعيل، فلما مرت بهم قبيلة جرهم ووجدت الماء استقرت بجوارهم، واتخذت من ذلك الوادي الذي كان بالأمس صحراء لا ماء فيها موطنا لهم لما تفجرت فيها عين زمزم.

نعود لنتسائل ما الذي جعل المصريين القدماء يبنون هذه المعابد الضخمة في صحراء، وكيف كانوا يمونون البناة والعمال والمهندسين بالطعام والشراب في وسط صحراء قحلة؟
ونتسائل أيضا لماذا لا يبنونها حيث هم مقيمون على ضفتي نهر النيل أو الدلتا حيث أسباب الحياة؟

وكانت أيضا تقابلني آية من كتاب الله تستوقني وهي قوله تعالى فيما يحكيه عن فرعونه: {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الزخرف: 51]
وأتسائل لماذا قال فرعون الأنهار، والمعلوم أن مصر بها نهر واحد وكل ما تفرع عنه إنما هو منه، كشجرة تفرعت غصونها، فإذا أراد العبد أن يتكلم عنها مهما تفرعت الأغصان وكثرت فإنما سيقول عنها أنها شجرة وليست أشجار، فنهر النيل مهما تفرعت عنه الترع والرياحات والفروع فإنما هي أجزاء لنهر واحد، ولماذا قال الله ما قاله فرعون (أنهار) ولو كان فرعون يقول غير الحق ويسمي نهر النيل أنهار لكثرة فروعه لبين الله عز وجل ذلك وصحح خطأ فرعون، ولكن الله تعالى ذكر نفس الكلمة (أنهار) ولم يعقب على وصف فرعون.
بل تقابلنا آية أخرى في كتاب الله ذكرت بعد قصة فرعون قال تعالى {فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} [الشعراء: 57 – 58]، فلم تكن الجنات بسبب النيل فقط، فلقد وجدت أيضا العيون.

ولقد جاء في السنة أن جزيرة العرب كانت مروجا وأنهارا وأنها ستعود مروجا وأنهارا من جديد، يقف المرء لحظة لينظر في خطوط العرض التي يعرف بها مناخ المناطق على وجه الكرة الأرضية، فإذا به يجد خطوط العرض التي تمر على الجزيرة العربية هي نفسها خطوط العرض التي تمر على مصر وصعيدها.
معني هذا أن التصحر الذي في مصر يشبه التصحر الذي في جزيرة العرب، ولولا أن جعل الله النيل في مصر من جنوبها إلى شمالها لكانت مصر مثل الجزيرة العربية جبال وبحار من رمال؟
إن هذا المصير كان متوقعا لمصر لولا أن جعل الله بها نهر النيل، وأيضا المستقبل الذي يتوقع لجزيرة العرب هو مستقبل متوقع لمصر إن شاء الله، هذا ما نستنتجه بالعقل من النظر في الأدلة الشرعية.
إن من نعمة الله تعالى ورحمته أنه أجرى في كونه سننا منها أن العقل الصحيح يتفق مع النقل الصحيح، وهل هناك أصح من كتاب الله تعالى ..
ولقد أثبت العلماء أن مصر تعرضت لموجة من الجفاف أثرت عليها وعلى حضارتها، وأن هذه المناطق التي بنيت فيها الأهرامات وغيرها من الآثار المصرية كانت مناطق غنية بالأنهار والزروع والثمار، وما أسهل الإطلاع على هذه الأبحاث المنشورة اليوم في المجلات العلمية ومواقع الإنترنت التي تنشر ما توصلت إليه هذه المعامل والهيئات العلمية من نتائج الأبحاث.
وإن المتأمل في سنن الله الكونية، يرى أن الله عز وجل يسكن عباده في أرضه ويمكن لهم، ويمهد لهم حياتهم وييسر لهم سبل معاشهم، ثم يختبرهم بالرسل فمن أطاعهم أتم لهم التمكين، من عصاهم أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر.
ألم تروا إلى الأمم السابقة كعاد وثمود وإرم ذات العماد، كلهم قد مكن الله لهم، فمنهم من نحت الصخر، ومنهم من اتخذ من الجبال بيوتا، فلقد بلغوا من التمكن في علم العمارة منزلة نعجز عن بلوغها نحن يكل ما أوتينا من تمكن في العلوم الحديثة.
المتأمل لهذه السنة يعلم أن الله يسر للفراعنة ما يبنون به أهرامهم، فما كانوا في حاجة إلى المجيء بالصخور من الأماكن البعيدة، ليرفعوها إلى أرتفاعات كبيرة، ثم في قلب صحراء جرداء لا حياة فيها يبنون الأهرامات، هذه النظرة والطريقة في إنشاء الأهرامات تخالف سنة الله في كونه، التي شملت كل شيء في الأرض والسماء ألا وهي التيسير، فالله لا يناله شيء إن عاش خلقه في عنت، وهو الذي شملت رحمته كل شيء.
فالنظرة الأرحم أن يبني المصريون القدماء أهرامهم، من طين، ثم يوقدون عليه النار في مكانه، ثم يجف فيبقي في مكانه من الهرم، لا يحتاج إلى زحزحة أو تحريك.
فإن قال قائل ومن أين يأتون بالطين؟
فالجواب من الأرض من حولهم، فليس ما حولهم رمال، وإنما ما حولهم هو الانهار والجنات، والزروع والثمار، فالأهرامات بنيت في منطقة زروع وجنات، لا في صحراء جرداء كما نراها الآن، ولقد أثبتت الأبحاث وعمليات المسح لصحراء مصر أنها كانت أرض ذات أنهار وجنات، وهنا نقول إن كان هذا حال المنطقة من وجود الأنهار والأرض الزراعية، والعلم الذي يحرقون به الطين ليصير حجارة، فلماذا يعدلوا عنه إلى الإتيان بحجارة كبيرة من أماكن بعيدة يبذلون معها أضعاف أضعاف الجهد المبذول إن هم أتوا بالطين وأوقدوا عليه النار.
ولقد أثبت قرآننا أن مصر تعرضت لمجاعة قيض الله لها نبي الله يوسف، لما جعله عزيز مصر على خزائن الأرض، فنجت مصر من المجاعة، فلما لا تكون مصر تعرضت لمثل هذه المجاعات نتيجة تغير المناخ، وتغير مناخ مصر أمر أثبته العلم الحديث.
الشاهد، أن مصر كانت في الماضي ذات أنهار وعيون وجنات وزروع ومقام أمين، فمن أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الحقيقة التي لم يعلمها علماء الجيولوجيا إلا في عصرنا هذا، باستعمال المركبات الفضائية وأجهزة التصوير والرادار؟
من أخبره أن مصر القديمة كانت بها أنهار غير نهر النيل؟

أمم أمثالكم

قال الله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام: 38]

أي ليس في الأرض حيوان يَدِبُّ على الأرض أو طائر يطير في السماء بجناحيه إلا جماعات متجانسة الخلق مثلكم، فالطير أمة، والنمل أمة، والنحل أمة، وكذلك كل البهائم وكل الدواب أمم أمثالنا، لها نظم لإكتساب الرزق، ولها أساليب تحمي بها نفسها من أعداءها، وأساليب للحكم والإدارة والعمارة، ولها مشاعر وأحاسيس، فهي تحب وتكره وتخاف وتجزع، وتتودد إلى بعضها، وتغير على أعداءها وتنتصر لنفسها إن تعرضت للظلم وهضم الحق، وتساعد غيرها، وتغدر وتخون، وتحن على ولدها، وتستأسد على عدوها، وهكذا سائر المشاعر والسلوك، {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} ما تركنا في اللوح المحفوظ شيئًا إلا أثبتناه، {ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} ثم إنهم إلى ربهم يحشرون يوم القيامة، فيحاسب الله كلا بما عمل، حتى أنه سبحانه وتعالى يقتص للشاة الجلحاء من الشاة.
فعَنْ أَبِي ذَرٍّ – رضي الله عنه – ” أَنَّ رَسُولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – رَأَى شَاتَيْنِ تَنْتَطِحَانِ , فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ، هَلْ تَدْرِي فِيمَ تَنْتَطِحَانِ؟ ” , قُلْتُ: لَا، قَالَ: ” لَكِنَّ اللهَ يَدْرِي، وَسَيَقْضِي بَيْنَهُمَا ” (1)

وقال تعالى: {ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا (39) إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا (40)} سورة النبأ
أي: ذلك اليوم الحق الذي لا ريب في وقوعه، فمن شاء النجاة مِن أهواله فليتخذ إلى ربه مرجعًا بالعمل الصالح، إنَّا حذَّرناكم عذاب يوم الآخرة القريب الذي يرى فيه كل امرئ ما عمل من خير أو اكتسب من إثم، ويقول الكافر من هول الحساب: يا ليتني كنت ترابًا مثل الدواب الأخرى مثل الطير والدواب وغيرها التي لم تكلف بالعبادة والتي لما بعثها الله اقتص لها من بعضها ثم قال لها كوني ترابا.

نرى في الآيتين الكريمتين السابقتين والحديث النبوي، صورا تكمل بعضها بعضا في تناغم وتناسق، تبين لنا أن ما يسميه الناس بالحيوان والدواب والزواحف والطير والأنعام والنمل والنحل والدببة والذباب والبعوض والإبل والحيتان وغيرها كلها أمم أمثالنا، تحس وتفرح وتحزن وتتعامل فيما بينها أفرادا وجماعات تماما مثلنا، غير أنهم يوم القيامة لن يدخلوا جنة ولا نار لأن الله لم يكلفهم بالعبادة كما كلف الإنس والجن بعبادته، لكن غاية أمرهم أن الله تعالى سيقتص لبعضهم من بعضهم ثم يقول لهم كونوا ترابا فيصيرون تراب فلا يدخلون جنة ولا نار، فيصير مآلهم أفضل من الإنسي والجنى الذي لم يؤمن بالله لأنه سيصير خالدا في النار بينما هذه البهائم ستصير ترابا فلا تتعذب، فيتمني الكافر أنه كان في الدنيا دابة أو طائرا ليصير يوم القيامة ترابا فلا يتعذب.
هذه الصور مستقاة من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وهي صورة أكمل من الصورة التي اكتشفها الناس بالأبحاث والتجارب الحديثة.
فبعد ما يزيد على 2500 بحث علمي توصل العلماء مؤخرا إلى أن الدواب تحب وتكره وتتذكر وتعيش حياة اجتماعية مثل الإنسان، تحزن لفراق من تحب، من هؤلاء الباحثين البرفيسور Marc Bekoff من جامعة University of Colorado والذي توصل إلى هذه النتائج بعد قرابة ثلاثين عاما قضاها في اجراء الأبحاث والتجارب، على ما أسماه بعالم الحيوان.
مع أننا نرى أن الإسلام قد بين هذه الحقائق بل وأزيد منها، نعم أقولها للبشرية جميعا وأزيد منها، فأبحاث هؤلاء العلماء لم تتعدى العالم الدنيوي، ونرى الإسلام تعدى حدود الدنيا ليذكر لنا مآل هذه الطيور والحيوانات وغيرها من دواب البر والبحر والجو في الآخرة بعد الموت والبعث يوم القيامة، وهذا ما سيعجز العلم التجريبي عن إثباته وبيانه ليبقي العلم التجريبي عند حدوده التي خلقه له الله لا يتعداها إلى ما يصل إلي الحقائق التي لا تعلم إلا بالوحي، لتبقي حقائق التجريب ناقصة لانها من الإنسان والإنسان سمته الضعف والنقص والقصور، إن تفوق في مجال بان عجزه في مجال آخر، لتتفوق على الخقائق المكتشفة بالتجارب هذه الحقائق الربانية التي أخبر بها الله أنبيائه.
لقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم قبل 14 قرنا من الزمان بما أخبر به العلم التجريبي الآن وزاد عليه أمورا لم يصل إليها العلم التجريبي، منها أن هذه الحيوانات تشتكي للإنسان لعله يقدم لها نفعا ويدفع ضرا عنها.
وتعالى ننظر في سنة محمد بن عبدالله لنرى ما لم يصل إليه العلم التجريبي إلى زماننا هذا عام 1439 من الهجرة.
في حديث اخرجه أَبُو دَاوُدَ رحمه الله فى كتاب الجهاد في سننه، قال: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَعِيلَ حَدَّثَنَا مَهْدِيٌّ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي يَعْقُوبَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ مَوْلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثًا لَا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ وَكَانَ أَحَبُّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ هَدَفًا أَوْ حَائِشَ نَخْلٍ قَالَ فَدَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَإِذَا جَمَلٌ فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَتَ فَقَالَ مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ فَجَاءَ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ أَفَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ * (د) 2549 [قال الألباني]: صحيح

انظر إلى قول محمد بن عبدالله: (فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ) الجمل يبكي بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ويشكو إليه ما هو فيه من التعب في العمل والجوع، فهل أثبت العلم التجريبي اليوم أن هذه الدواب تستطيع أن تشتكي للإنسان؟

وأيضا عند أبي داوود عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ، فَرَأَيْنَا حُمَّرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا، فَجَاءَتِ الْحُمَرَةُ، فَجَعَلَتْ تُفَرِّشُ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: “مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا” وَرَأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا، فَقَالَ: “مَنْ حَرَّقَ هَذِهِ؟ ” قُلْنَا: نَحْنُ، قَالَ: “إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّ النَّارِ” , (د) 5268 [قال الألباني]: صحيح
والحمرة: طائر صغير مثل العصفور، وفرخيها أي ولديها، فهل أثبت العلم التجريبي اليوم أن العصفور وأمثاله يشتكي للإنسان ليدفع عنه ضرا إذا علم أن بمقدور الإنسان أن يدفع عنه ضره؟؟

بل وقد أخبر بما هو أقوى من ذلك ولربما لم يبدأ العلماء في ولوج بابه وهو باب دراسة المشاعر عند الجماد، مثل الجبال وجذوع الأشجار، وهذا باب أدعو العلماء لولوجه بصفتي رجل من محبي العلم التجريبي.
فلقد أثبت محمد بن عبدالله أن للجبال شعور بما أوحي إليه في القرآن والسنة منها قوله تعالى عن الحجارة في سورة البقرة، قال تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 74]
فلقد أثبت الله تعالى أن الحجارة تخشى الله، فليثبت لنا العلم التجريبي هذا وأمامه مئتي عام ليثبت ذلك والحكم بيني وبين علماء البشرية الأجيال القادمة إن شاء الله فإن هم أثبتوا ذلك فليؤمنوا بمحمد رسول الله وإن هم عجزوا فليقروا بأن محمد جاء بما يعجز عنه البشر لأن الذي أوحي إليه هو الله.

وأيضا أثبت محمد بن عبدالله أن الجبال تحس بمن فوقها فعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَعِدَ أُحُدًا، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ بِهِمْ، فَقَالَ: «اثْبُتْ أُحُدُ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ، وَصِدِّيقٌ، وَشَهِيدَانِ» , أخرجه البخاري برقم: 3675.

وعن أنس أيضا أنه قال: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى خَيْبَرَ أَخْدُمُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَاجِعًا وَبَدَا لَهُ أُحُدٌ، قَالَ: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ» , صحيح البخاري برقم: 2889

و عَنِ ابْنِ عُمَرَ: “أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ إِلَى جِذْعٍ، فَيَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَأَنَّهُ لَمَّا صَنَعَ الْمِنْبَرَ تَحَوَّلَ إِلَيْهِ فَحَنَّ الْجِذْعُ، فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَسَحَهُ” أخرجه بن حبان برقم: 6506 [قال الألباني]: صحيح – “الصحيحة” (2174): والحديث ايضا في البخاري.
وغيرها الكثير، ولولا أني أكتب هذا الكتاب في المقام الأول لمن لا يؤمنون بنبوة محمد بن عبدالله رسول الله وخاتم أنبيائه لجئت بفضل الله في الأمر بالكثير إن شاء الله.
فهل يحق لنا أن نقول بمفاهيم العصر أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الأسبق لهذه الكشوف العلمية التي وصل إليها الباحثون الآن وأنه هو الأولى أن تنسب إليه وتدون بإسمه؟ في الموسوعات العالمية ليعرف كل إنسان قدره؟
وهل يحق لنا أن نطالب بأن تدون هذه الحقائق باسمه وأنه الأسبق إليها وانه وصل إليها بطريقة فريدة من نوعها لا يستطيع بشر غيره على الإطلاق أن يصل إليها لانها جاءته بطريقة فريدة لن يصل إليها غيره أبدا إلى قيام القيامة وهي الوحي؟

ولنا أن نسأل أيضا من ينكرون نبوته، من الذي أخبره بهذا؟

——————-
(1) (حم) 21476 , انظر الصَّحِيحَة تحت حديث: 1588

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *