الحرم الآمن

جاء الإسلام بكل خير في كل شيء، فلقد بلغ غاية الخير في كل مجال من مجالات الحياة، ففي العلم والتجريب أمر بالتفكر والبحث والنظر وجعل التفكير عبادة يؤجر العبد عليها، بل توعد من لم يتفكر بالويل، فعَنْ عَطَاءٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ عَلَى عَائِشَةَ – رضي الله عنها – فَقَالَتْ لِعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: قَدْ آنَ لَكَ أَنْ تَزُورَنَا؟ , فَقَالَ: أَقُولُ يَا أُمَّاهُ كَمَا قَالَ الأَوَّلُ: زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا، فَقَالَتْ: دَعُونَا مِنْ رَطَانَتِكُمْ هَذِهِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَيْرٍ: أَخْبِرِينَا بِأَعْجَبِ شَيْءٍ رَأَيْتِيهِ مِنْ رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – فَسَكَتَتْ ثُمَّ قَالَتْ: لَمَّا كَانَ لَيْلَةٌ مِنَ اللَّيَالِي قَالَ: ” يَا عَائِشَةُ , ذَرِينِي أَتَعَبَّدُ اللَّيْلَةَ لِرَبِّي ” , فَقُلْتُ: وَاللهِ إِنِّي لأُحِبُّ قُرْبَكَ , وَأُحِبُّ مَا سَرَّكَ قَالَتْ: ” فَقَامَ فَتَطَهَّرَ , ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي , فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ حِجْرَهُ ثُمَّ بَكَى , فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ لِحْيَتَهُ، ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ الْأَرْضَ ” , فَجَاءَ بِلَالٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَلَاةِ، فَلَمَّا رَآهُ يَبْكِي قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ لِمَ تَبْكِي وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ , قَالَ: ” أَفَلا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟، لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَةٌ , وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ , وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ , وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ , وَمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ , وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ , وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ , لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (البقرة: 164) (1)
فجعل الإسلام من التفكر في خلق الله عبادة يتقرب العبد بها إلى الله، وما من شيء في الحياة إلا ودل الإسلام على الأصوب فيه وما يعود على العباد بالخير إن هم عملوا به.
ولقد كان القرآن يتنزل بالبراهين والدلائل على أنه كتاب الله المنزل من السماء على خير رجل خلقه الله، فلقد كان أهل الكتاب يقرأون صفات النبي الخاتم الذي بشرت به الأنبياء فيرونها قد توفرت في النبي صلى الله عليه وسلم، ومن قبلهم كان المشركون في مكة يعلمون مما لمسوه من أخلاق محمد وسيرته قبل بعثته، ومما عرفوه من الآيات المنزلة التي تخاطب عقولهم وفطرهم، أن ما جاء به هو الحق والهدى، ولكنه الحجود والحسد والكبر الذي حال بينهم وبين سعادة الأبد في جنات النعيم.
جاء في السنة أن الحارث بن نوفل، أقر للنبي صلى الله عليه وسلم بصدقه وبأن ما معه هو الهدى، لكنه تعلل بالخوف من أن تستأصلهم العرب، فنزل قول الله تعالى: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [القصص: 57]
قال ابن كثير: وقوله: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا}: [يقول تعالى مخبرًا عن اعتذار بعض الكفار في عدم اتباع الهدى حيث قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا}] أي: نخشى إن اتبعنا ما جئت به من الهدى، وخالفنا مَنْ حولنا من أحياء العرب المشركين، أن يقصدونا بالأذى والمحاربة، ويتخطفونا أينما كنا، فقال الله تعالى مجيبا لهم: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا} يعني: هذا الذي اعتذروا به كذب وباطل؛ لأن الله جعلهم في بلد أمين، وحَرَم معظم آمن منذ وُضع، فكيف يكون هذا الحرم آمنًا في حال كفرهم وشركهم، ولا يكون آمنًا لهم وقد أسلموا وتابعوا الحق؟.
وقوله: {يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} أي: من سائر الثمار مما حوله من الطائف وغيره، وكذلك المتاجر والأمتعة {رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا} أي: من عندنا {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} فلهذا قالوا ما قالوا.
ولكنهم ظلوا على عنادهم وكفرهم وحربهم للنبي صلى الله عليه وسلم حتى أظهره الله عليهم، وأحل له البلد الحرام فدخل مكة فاتحا، ولكنه لم يصنع ما يصنع الملوك إذا دخلوا القرى، كما حكي القرآن قول بلقيس ملكة سبأ: {قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [النمل: 34]، بل خاطبهم النبي وقد أخرجوه من بلده وداره، ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيرا أخ كريم وابن أخ كريم، فقال: إذهبوا فأنتم الطلقاء.
ولما قال رجل من المسلمين: اليوم يوم الملحمة، فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم: (اليوم يوم المرحمة) وحفظ مكة من أن يصاب أهلها بسوء، فحفظهم الله في حال كفرهم وحفظهم الله حال فتح مكة وحكم الإسلام فيها، وحفظهم الله إلى يومنا هذا بفضل منه ورحمة.
وإذا تأملنا في خطابهم للنبي وبما رد عليهم، لرأيناهم يخافون أن يتخطفهم الناس إن هم أسلموا واتبعوا الهدى، فلفت النبي نظرهم أن الله حفظهم وهم كافرون ومشركون فلم يتخطفهم الناس مع كفرهم، فكيف لو أسلموا، إنه بلا أدني شك سيكونون في أمن وسلام ولا يتعرض الناس ولا العرب لهم بسوء، ولن يتخطفهم الناس لأن إرادة الله أن يبقى الحرم آمنا ما شاء الله، معنى هذا أن النبي يعدهم أنهم إن آمنوا سيبقون في أمان وستبقي نعم الله دائمة معهم. فيا ترى تحقق هذا الوعد؟
لقد دخل كثير من أهل مكة في الإسلام عند الفتح وتواصل دخولهم الإسلام حتى صارت مكة دار إسلام، فهل تخطفتهم الناس؟
لقد تحقق وعد النبي صلى الله عليه وسلم لهم بالإمن إن هم أسلموا، ثم تتوالي القرون بعد القرون، ومكة وأهلها في أمن وأمان بفضل الله الكريم المنان.
إذا نظرت إلى البشرية خلال هذه القرون لرأيت أن دولا كثيرة قامت وشبت وشابت وانتهت، وأمما ولدت وأمما فنيت، ولرأيت حروبا قامت بين أصحاب الدين الواحد فأفنى بعضهم بعضا، ولرأيت إعتداءات من أصحاب ديانات على أصحاب ديانات أخرى، كما حدث في الحروب الصليبية على بلاد المسلمين التي اكتوت بنارها بلاد الشام وأهلها، وغزت أوربا بلاد الشمال الإفريقي كمصر وليبيا والجزائر وغيرها، نعم حدثت إعتداءات على بلاد المسلمين التي تدين بدين الإسلام، لكن الحرم الشريف قد حفظه الله من هذه النيران فجعله آمنا، منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا.
نعم قد حدثت بعض الفتن في الحرم كتلك التي حدثت بين الحجاج رحمه الله وبين عبدالله بن الزبير رضى الله عنه، وكتلك التي حدثت في العصر الحديث كفتنة الجهيمان الذي اعتصم بالمسجد الحرام، لكنها لا تعدو فتننا بسبب أشخاص ولمدة صغيرة لا يعتد بمدتها اذا نسبت إلى طول الزمان من فتح مكة إلى الآن.
ويبقي الأصل الثابت أن مكة ظلت حرما آمنا وأن أهله في أمان الله، وأن أهلها لم يتخطفهم الناس بعد إسلامهم، كما كان يزعم المشركون حين قالوا للنبي ما قالوا.

إن هذه الفتن لهي في عمرها كبرقة ورجعتها، إذا قورنت بما يحدث بين أصحاب الديانات الأخرى من الفتن في طولها وعصفهابضحاياها، أو كالذي حدث في أهل الكتاب من قتل بعضهم بعضا.
فعلى سبيل المثال:
في عام 537 ميلادية أصدر جستيان مرسوما بحرمان اليهود من الحقوق المدنية وحرية العبادة.
وفي عام 613 يجبر ملك القوط الغربيين اليهود في أسبانيا على اعتناق المسيحية.
وفي عام 629 إجبار اليهود على التعميد وطردهم من فرنسا.
وفي عام 694 تم تحويل جميع اليهود في أسبانيا وفلورانس إلى عبيد.
وفي عام 1096 مذابح للطوائف اليهودية في أوروبا.
وفي عام 1099 طرد اليهود المقيمين في أورشليم بعد سقوطها على يد الصليبيين.
وفي عام 1113 أول مذبحة لليهود في كييف [روسيا].
وفي عام 1553 البابا يحرق التلمود في روما.
وفي عام 1556 مذابح اليهود في أوكرانيا وألمانيا وبولندا والنمسا.
وفي عام 1670 طرد اليهود من فيينا.
وفي عام 1740 طرد اليهود من براغ.
وفي عام 1827 القيصر نيقولا الأول يأمر بتحويل أطفال اليهود إجباريا إلى المسيحية.
وفي عام 1891 طرد اليهود من موسكو.
وفي عام 1936 – 1940 سن تشريعات معاداة السامية في رومانيا وإيطاليا والنمسا.
وفي عام 1939 – 1945 مذابح اليهود في الحرب العالمية الثانية.
هذا من التاريخ الأسود للمسيحيين في أوروبا مع اليهود .. هؤلاء اليهود الذين لم يجدوا صدرا حنونا إلا في الإسلام ولم يحاربوا في صدر الإسلام إلا بعد أن خانوا ونقضوا العهد، وحتى أوروبا المسيحية لما أقامت لليهود وطنهم القومي في فلسطين إنما أرادت أن تتخلص منهم بعد الحرب العالمية الثانية، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ليكونوا مصدر قلاقل واضطرابات للعدو التقليدي وهو الإسلام والمسلمين. (2)
هذه بعض إشارات لإعتداءات أهل الكتاب بعضهم على بعض، ويبين معها أن الله حفظ حرمه في جاهلية أهله كما حفظ حرمه بعد أن دخلوا في دين الله، ليتحقق ما أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ونتسائل الآن هل يستطيع بشر أن يؤكد أن بلدا ما ستبقي في أمان بعد موته ب 14 قرنا من الزمان؟
ومن الذي أخبر محمدا صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر حتى استنكر على المشركين قولهم وحاجهم أن الله حفظهم مع كفرهم، فالذي حفظهم في كفرهم ما كان ليترك الناس تتخطفهم إن هم آمنوا وصاروا أوليائه، فمن الذي أخبره بهذه الحقائق؟
ومن الذي دبر أمور البلاد والعباد لتكون على ما أخبر به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

—————–
(1) (حب) 620 , انظر الصَّحِيحَة: 68 , صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: 1468
(2) من حوار للعميد أحمد عبدالوهاب الخبير في مقارنة الأديان …

رجوع البرق

هل رأيت يوما برقا ضرب نهرا أو جدولا، كيف يفعل فيه؟
هل تأملت يوما عين إنسان وتفكرت كم تستغرق طرفتها من عمر الزمان؟
هل فكرت يوما أن تجري تجربة علمية تحسب فيها الزمان الذي يستغرقه البرق مرورا ورجوعا؟
هل خطر ببالك يوما أن تقارن بين طرفة العين ومرة البرق ورجوعها، لتنظر هل بين سرعتيهما فرق؟
أو هل تعلم أن العلماء اكتشفوا أن البرق يمر بمرحلتين أساسيتين هما المر ويعبر عنها بكلمة ” Step” و الرجوع ويعبر عنها بكلمة ” Return” ؟
وهل علمت أن محمد بن عبدالله قد استعمل هاتين الكلمتين (المر) و (الرجوع) قبل 14 قرنا من الزمان حين تحدث عن البرق؟
وهل علمت أن الشعوب في زمان محمد وقبله كانت تعتقد أن البرق سلاح للإلهة تستعملها في حرب من شاءت من أعداءها؟، ففي أساطير الإغريق كان البرق هو سلاح للإله زيوس.

اعلم أن محمدا بن عبدالله حين بعث برسالته تكلم عن البرق، وبين أنه كطرفة العين، وطرفة العين تقاس بأجزاء الثانية فلقد أثبت العلم التجريبي أن المدَّة التي تبقى فيها العين مغلقة خلال هذه الطرفة، هي عشرات الأجزاء من الألف من الثانية!!! وهو نفس الزمن اللازم لضربة البرق.
ولقد أثبت العلم التجريبي أن زمن ضربة البرق يختلف من غيمة لأخرى حسب بعدها عن الأرض وحسب الظروف الجوية المحيطة، ولكن هذا الزمن يبقى مقدراً بعدة عشرات من الميلي ثانية، وكذلك الزمن اللازم لطرفة العين يختلف من إنسان لآخر حسب الحالة النفسية والفيزيولوجية، ولكنه أيضاً يبقى مقدراً بعدة عشرات من الميلي ثانية.
هذه حقائق علمية تجريبة لم يتوصل إليها العلماء إلا بعد تجارب عديدة، فلقد استغرق العلماء في دراسة البرق عدة قرون، ومنهم من مات في هذه التجارب، ليخرجوا علينا بعد الاستعانة بأدق الأجهزة المبتكرة حديثا والتي لم يكن لها مثيل من قبل في تاريخ البشرية بحقائق عدة عن البرق، تتعلق بقوته وأطواره، ونوع الموجات الكهربائية الموجودة به ونوع الموجات الكهربائية التي يمتصها من الأرض، ليخرجوا لنا في نهاية الأمر بتصور للبرق، بعدما كان زمان نزول الوحي على محمد بن عبدالله مجرد أساطير نسجتها خيالات الشعوب بحكمائها وفلاسفتها.
فجاء محمد ليثبت أن البرق يمر بمرحلتين أساسيتين، مرحلة المر ومرحلة الرجوع، وضرب سرعة البرق مثلا لسرعة المرور على الصراط يوم القيامة لمن آمن به حق الإيمان واتبعه.
عَن ربعي عَن حُذَيْفَة، وَعَن أبي حَازِم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَا: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ” يجمع الله تبَارك وَتَعَالَى النَّاس، فَيقوم الْمُؤْمِنُونَ حَتَّى تزلف لَهُم الْجنَّة، فَيَأْتُونَ آدم فَيَقُولُونَ: يَا أَبَانَا، استفتح لنا الْجنَّة، فَيَقُول وَهل أخرجكم من الْجنَّة إِلَّا خَطِيئَة أبيكم؟ لست بِصَاحِب ذَلِك. اذْهَبُوا إِلَى ابْني إِبْرَاهِيم خَلِيل الله، قَالَ: فَيَقُول إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام: لست بِصَاحِب ذَلِك، إِنَّمَا كنت خَلِيلًا من وَرَاء وَرَاء، اعمدوا إِلَى مُوسَى الَّذِي كَلمه الله تكليماً، فَيَأْتُونَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُول: لست بِصَاحِب ذَلِك، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى كلمة الله وروحه. فَيَقُول عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام: لست بِصَاحِب ذَلِك. فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَيقوم، فَيُؤذن لَهُ، وَترسل الْأَمَانَة وَالرحم، فتقومان جنبتي الصِّرَاط يَمِينا وَشمَالًا، فيمر أولكم كالبرق “. قَالَ: قلت: بِأبي أَنْت وَأمي، أَي شَيْء كمر الْبَرْق؟ قَالَ: ” ألم تروا إِلَى الْبَرْق كَيفَ يمر وَيرجع فِي طرفَة عين؟ ثمَّ كمر الرّيح، ثمَّ كمر الطير وَشد الرِّجَال، تجْرِي بهم أَعْمَالهم، ونبيكم قائمٌ على الصِّرَاط يَقُول: رب سلم سلم، حَتَّى تعجز أَعمال الْعباد، حَتَّى يَجِيء الرجل فَلَا يَسْتَطِيع السّير إِلَّا زحفاً، وَفِي حافتي الصِّرَاط كلاليب معلقَة مأمورة، تَأْخُذ من أمرت بِهِ، فمخدوش ناجٍ، ومكدوسٌ فِي النَّار ” وَالَّذِي نفس أبي هُرَيْرَة بِيَدِهِ، إِن قَعْر جَهَنَّم لسَبْعين خَرِيفًا. (1)
أنظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم (ألم تروا إِلَى الْبَرْق كَيفَ يمر وَيرجع فِي طرفَة عين؟) إنه يتكلم عن حقائق لم يعرفها أهل زمانه بل لم تعرفها البشرية إلا في هذا العصر، فلقد كان السابقون لا يعرفون أن البرق يستغرق زمانا، فما كانوا يعرفون مقياس الجزء من الثانية، فيخبرهم محمد بحقيقتين:
الأولى: أن للبرق زمانا يأخذه في مروره ورجوعه، ولهذا ضربه مثلا مع أمور يعلمون بالحس أن لها سرعة وإن لم يعلموها تقديرا بالمقاييس كما نعلمها نحن في زماننا هذا، مثل سرعة الريح.
الثانية: أن هذا الزمان يشبه زمان طرفة العين. فسرعة البرق وطرفة العين متقاربتان ويقاسان بنفس المقياس بأجزاء من الثانية.
كيف علم محمد بن عبدالله هذه الحقائق، التي لا تدركها العين المجردة؟
ولماذا لم يعلمها المتخصصون في العلوم الذين جاءوا بعده بأكثر من 1000 عام، مثل بنيامين فرانكلين، والسويدي رتشمان، غاية ما في الأمر أنهم اكتشفوا بالتجارب بعض الحقائق، لكنهم ما استطاعوا أن يتوصلوا لنفس ما توصل إليه العلماء المعاصرون الآن، فما استطاعت البشرية أن تكون تصورا صحيحا عن البرق إلا بعد مئات التجارب، ولكنهم في النهاية توصلوا بأجهزتهم وتجاربهم لحقائق قالها محمد بن عبدالله قبلهم ب 14 قرن من الزمان بلا أجهزة حديثة وبلا تجارب علمية، بل وكان له السبق في استعمال مصطلحين علميين لم يستطع العلماء أن يجدوا لهما في اللغة بديلا وهما مصطلح المر ومصطلح الرجوع.
فمن أخبر محمد بن عبدالله بهذه الحقائق التي تعجز القدرات البشرية عن إدراكها بعينها المجردة؟ ومن الذي أعلمه هذا؟

——————

(1) حديث صحيح: أخرجه مسلم برقم 420

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *