جبال البرد
في أواخر السبعينات من القرن العشرين، وفي ليلية ساكنة من ليالي ريف مصر، قد انقطعت الكهرباء فيها، يمشى غلام صغير يتحسس طريقه بأنوار هادئة يتدثر بها قد انبعثت إليه من القمر، القمر؟ نعم القمر، أليس القمر رفيقه الذي إعتاد صحبته والسير معه في لياليه؟
ما أجمله من قمر وأوفاه من رفيق وصديق، إنه يمشي حيث يمشى الغلام ويقف حيث الغلام يقف، من وفاءه يأبي القمر أن يمضي ويتركه في الظلام، هكذا كانت رفقة الغلام والقمر صحبة ووفاء.
كانت ليالي جميلة تلك التي كنت أسير فيها مع القمر أينما ذهبت يرافقني، قد تعترض صحبتنا بعض البيوت القصيرة ذات الطابقين، ولكن سرعان ما أغادرها لأراه قد سبقني وإنتظرني عند حافة الشارع لنلتقي من جديد في حب وألفة وعناق وبضوئه يدثرني، إنه القمر يمشي حيث أمشي وإذا وقفت فهو لي ينتظر، ولكني امشي على وجه الأرض وهو في السماء يسبح، هكذا قصة صحبتنا.
دارت الأيام وكبر الغلام حتى بلغ الخامسة والعشرين، وسافر إلى أوربا يريد الفتي اليافع أن يدرس العلوم الطبيعية في اوربا ليكون عالما من علماء الفيزياء، وهكذا يحب العبد ويرغب ويسعى ويأخذ بما يراه لما يريد سبب، بينماالقلم قد جرى بما الله على العبد قدر، في الطائرة نظر فتانا بالصدفة فرأي القمر حبيب طفولته يسبح عن يمينه في السماء، إنه يراه من نافذة الطائرة، ما هذا؟ ماله القمر يسبح الآن بحذائي، ما لي لا أراه في الأعلى كما كنت أراه طوال عمري، ويفاعة سني؟ ماله القمر؟ هل نزل يريد عناقي عناق المودع للمسافر؟ أم عناق المستقبل المشتاق.
إن الشاب الفتى اليافع في حالة من التعجب لكون القمر في حذائه وهو في الطائرة بين السماء والأرض، ولكن قبل أن ينقضي عجبه وبينما هو يقترب برأسه من نافذة الطائرة أكثر وأكثر إذا به يرى العجب، إنه يرى السحاب أسفل منه بمسافة مخيفة، نعم إنها أول مرة يركب الطائرة، لذا فهو يرى ما لم يراه من قبل، وهكذا التنقل والأسفار تغير الأفكار وتجعل المرء يرى ما لم يكن من قبل يراه.
ويعود إلى مصر على قدر الله، بعدما إختار الله له في الحياة طريق المنابر لا طريق المعامل، تمر الأيام، وتكر الليالي ويشع من لحيته نور المشيب، ويرى صورة إلتقطت حديثا من إحدي الطائرات لبعض السحاب، فإذا به يرى السحاب في صورة الجبال.
إنه يعلم أن الجبال لا تكون إلا في الأرض مدكوكة، ولكنه اليوم يراها في السماء مرفوعة؟ نعم قد رأى في أسفاره أمورا عجيبة، واليوم يرى بمنظار القراءة من خلق الله ما هو أعجب.
يقرأ بطل قصتنا القصيرة مع الصور مقالا للدكتور: منصور العبادي أبو شريعة، يتكلم فيه عن آية من القرآن الكريم وهي قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ} [النور: 43]
يقول الدكتور فيها: (إن أحد أهم أوجه الإعجاز في القرآن الكريم هو الوصف العلمي الدقيق للظواهر الطبيعية في هذا الكون والذي جاء متوافقا مع ما تم اكتشافه من حقائق علمية في هذا العصر. إن هذا التطابق بين ما جاء به القرآن الكريم وما اكتشفه العلماء من حقائق علمية ينفي نفيا قاطعا أن يكون هذا القرآن من تأليف البشر بل هو منزل من لدن عليم خبير سبحانه وتعالى. وفي هذه المقالة سنشرح كيف أن القرآن الكريم قد أكد على أن البرد (Hail) لا يتكون إلا في داخل نوع واحد من السحب تسمى المزن الركامية (cumulonimbus) لها امتدادات في السماء تظهر لمن يراها من بعيد أو من أعلاها كأنها الجبال وهو ماأظهرته الصور التي تم التقاطها من الطائرات والأقمار الصناعية. ولقد جاء العلم الحديث بعد مرور أربعة عشر قرنا ليصف هذا النوع من الغيوم بنفس الوصف الذي وصفه القرآن الكريم ففي معجم الطقس (Weather Glossary) جاء تعريف المزن الركامية على النحو التالي (توصف سحب المزن الركامية بتطور عمودي قوي على شكل جبال أو أبراج ضخمة تنتهي على الأقل جزيئا بسندان مسطح وأملس وربما منفوش وتعرف أيضا بالعامية المقدمة الرعدية (العاصفة الرعدية))
(CB (strictly Cb)Abbreviation for cumulonimbus, Cumulonimbus cloud, characterized by strong vertical development in the form of mountains or huge tower stopped at least partially by a smooth, flat, often fibrous anvil. Also known colloquially as a “thunderhead).
ويتامل بطل قصتنا الصور المرفقة مع المقال، ويقول سبحان الله، هذه السحاب والجبال التي لم أنتبه إليها حين ركبت الطائرة أول مرة، كم هي جميلة الصنع، وكم هي عظيمة النفع، سبحان من جعل الريح تحمل الجبال الثقال، ويقول في نفسه إن كانت التأمل في الآفاق والسماء يورث الإنسان علما جديدا، فالتأمل في القرآن لا شك أنه يبني للإنسان نظرة للكون أصح وأرحب.
ويواصل تأمله ويتسائل: أكان محمد وأصحابه يعلمون هذه الحقائق قبل زماننا وهم في قلب الصحراء؟
ويجيب على نفسه، أكيد يعلمون هذه الحقائق، فهم أهل العربية الذين يعرفون معانيها وأساليبها، يعلمون أن في السحاب جبالا، أولم يخبرهم ربهم بالحقائق في القرآن؟
وتتوارد الأسئلة إلى ذهنه، إذن أكانوا بعلومهم التي علموها من نبيهم محمد أسبق من أهل عصرنا الذين أكتشفوا ذلك مؤخرا؟
هل كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وأبو هريرة وعبدالله بن عمر وعبدالله بن العاص وأنس بن مالك، وزينب بنت خزيمة وأم سليم وعائشة بنت أبي بكر الصديق وغيرهم مئة ألف مسلم حجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، كلهم كانوا أسبق لعلماء عصرنا الحالي؟
أكان المسلم العادي في أمة محمد بن عبدالله أسبق لعلماء القرن العشرين الذين اكتشفوا هذه الحقيقة مؤخرا؟
لو كان الجواب بالإيجاب، فنقول كم خسر العالم بإنحطاط المسلمين في القرون الأخيرة من الناحية العلمية، وآأسفي إن الجواب لبالإيجاب.
لقد كان المسلمون أصحاب العلم والريادة والسيادة للأمم لقرون عديدة لما تمسكوا بكتاب ربهم الذي سبق البشرية بأكثر من ألف عام، وانا واثق أنه لم يسبق البشرية ب 1000 عام أو 1500 عام فقط، بل سبق البشرية بآلاف السنين، فكم من آية في القرآن المنزل على محمد لم يكتشفها العلم الحديث بأجهزته الدقيقة في معامله البحثية أوبمنظاراته العملاقة السابحة في السماء، حيت يكتشونها بعد قرون عديدة سيجدون القرآن قد سبقهم إليها بقرون عديدة.
قد يجحد جاحد هذا السبق الذي كتبه الله للمسلمين، ويحسدهم، ويغالط في الحقائق، فنقول له، لو لم يكن ما في هذه الآيات وغيرها مما أكتشفه العلم في القرآن الذي أنزل على محمد بن عبدالله قبل 14 قرنا من الزمان في قلب الصحراء، هو من الله فمن الذي أخبره؟
ولماذا لم يخبر بهذه الحقيقة عالم من علماء الفلك الذين نظروا في النجوم قبل مجيء محمد أو بعده حتى أكتشفت هذه الحقيقة عبر السباحة في الفضاء؟ أين المفكرون؟ أين الباحثون؟ أين المنظرون؟ أين أفلاطون؟ أين أرسطو؟ أين وأين من أرباب العقول والعلوم عبر الدهر إن صحت علومهم أو كذبت؟ أين هذه الحقيقة عندهم وكيف يكتشفونها وهم في الأرض وهي في أعلى السحاب؟
إن كان العلم الحديث لا يكتشف حقيقة من حقائق الكون إلا بعد أن تتيسر لهم أسباب الكشف من ابتكارات جديدة ومخترعات حديثة تسهل لهم النظر في الآفاق، فإن لمحمد بن عبدالله ربا خلق الكون فأبدعه يخبره بحقائق الكون، ليكون الكتاب الذي أنزله إليه دليلا وبرهانا على صدق نبوته، وإلا فأخبروني إن لم يكن الله أخبره بهذه الحقيقة فمن الذي أخبره في قلب الصحراء؟