والأرض ذات الصدع
هل تنزهت يوما على ضفاف نهر؟
هل كنت يوما قرب المصب أو سمعت ليلة خرير المياه؟
هل أنصت يوما مستمتع بأغاريد الطيور وزقزقة العصافير؟
هل كنت يوما من سكان الجبال ورأيت من حواليك جبالا حمرا وبيضا وسودا في منظر بديع تعجز عن إبداعه ريشة الفنان؟
هل نظرت يوما إلى صور التقطتها عدسات التلسكوبات السابحة في السماء من حول الأرض، وتأملت كم عظيم هو خلق السماء؟
هل ساءلت نفسك يوما من أبدع هذه الأشياء؟
لقد أثبتت التجارب العملية أن رؤية هذه الأشياء والتفكر فيها تزيد الإيمان وتؤدي إلى اليقين بأن لها خالقا خلقها وقام على أمر صلاحها، وفلو لم يكن لها خالق أقام لها نظما تسير عليها لإنفرط عقدها وانهارت وذهب جمالها وحصل بسبب ذلك دمار يذهب بالأرض وسكانها.
إن التفكر في خلق والسماوات والأرض عظيم أثره وخطير شأنه، لهذا تجد في الإسلام أن الله سبحانه وتعالى يحض عباده على التفكر في هذه الأشياء المخلوقة قال تعالى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 185]
قال ابن سعدي رحمه الله في تفسير الآية: أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ فإنهم إذا نظروا إليها، وجدوها أدلة دالة على توحيد ربها، وعلى ما له من صفات الكمال.
و كذلك لينظروا إلى جميع مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ فإن جميع أجزاء العالم، يدل أعظم دلالة على اللّه وقدرته وحكمته وسعة رحمته، وإحسانه، ونفوذ مشيئته، وغير ذلك من صفاته العظيمة، الدالة على تفرده بالخلق والتدبير، الموجبة لأن يكون هو المعبود المحمود، المسبح الموحد المحبوب.
ولعظم هذا الشأن فقد تولي الله عز وجل أن يطلع أنبيائه على هذا الملكوت بنفسه وأن يريهم ما يقوي إيماينهم ويزيد عزيمتهم في الدعوة، وذلك لأن الله تعالى تولي صناعة الأنبياء كما قال لموسى عليه السلام: فقد تولي أمره وإعداده لحمل النبوة والرسالة منذ كان طفلا حديث الولادة: قال تعالى: {أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: 39] فبدأ تربيته من الطفولة حتى بلغ مرحلة الرسالة فأرسله رسولا إلى فرعون وقومه قال تعالى: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه: 24]
أذكر هذا لأبين أن الله تعالى لما أرى ابراهيم ملكوت السماوات والأرض كان لحكمة تنفع إبراهيم في مهمته التي كلفه بها وحمل رسالة الله إلى الناس، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} [الأنعام: 75]
وقال في حق محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم في رحلة الإسراء والمعراج التي سار فيها ليلا محمولا على البراق إلى القدس ثم عرج به بالمعراج إلى السماء السابعة فرأي من آيات الله وملكوته ما كان له عظيم الأثر في نفسه ومعلوم هو مقام نبي آخر الزمان في كتب أهل الكتاب، قال تعالى وهو يقرر أن محمد بن عبدالله رأي من الآيات الشيء العظيم: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: 18] وقد بين في آية أخرى أنه أسرى به ليريه من آياته، قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1]
فرؤية آيات الله عز وجل في الآفاق وفي السماء والأرض تعود على الإنسان بالأثر الإيماني العظيم، ولهذا قال الله: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ} [الروم: 8]
وبين الله أن في خلق السماوات والأرض ووجود الليل والنهار وجريان المراكب والسفن في البحر وإنزال الماء من السماء والسحاب والرياح كل هذه الأمور وغيرها فيها آيات عظيمة تدل على أن الخالق لها هو الله، قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة: 164]
إن الله عز وجل كما أرى ابراهيم ملكوت السماوت والأرض، وكما أرى محمد عليه الصلاة والسلام من آيات ربه الكبرى، لفت أنظار الناس إلى ضرورة التفكر في خلق الله ورؤية آياته الدالة على وجوده وقدرته وحكمته وقوته، وأن كل شيء بيديه سبحانه وتعالى، بل إن الله تعالى تولي بنفسه ذكر بعض الآيات الدالة على في السماوات والأرض، فذكر آيات كثيرة، وهذا الكتاب يستعرض بعضا منها، ونذكر منها الآن آية من الآيات الله ذكرها في القرآن الكريم في وصف الأرض، قال تعالى: {وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ} [الطارق: 12]، قال ابن الجوزي – 597 هـ: {وَالأرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ} أي: ذات الشق.
هكذا عرف أهل الإسلام أن الأرض ذات شق، فما هو هذا الشق أو هذا الصدع؟
هذه حقيقة موجودة في القرآن، ولم تذكر لا في توراة ولا إنجيل ولا كتاب سماوى آخر، بل حتى العلماء لم يصفوا الأرض بهذا الوصف قبل بعثة محمد بن عبدالله، فأن الأرض موصوفة في القرآن، بأنها صاحبة صدع وجاء الصدع مفردا ليدل على أنه صدع واحد.
فهل اكتشف العلماء في عصرنا هذا أن الأرض ذات صدع؟
والجواب: أنه قد تم اكتشاف أن القشرة الأرضية تحت المحيظات تتصدع وتتباعد الألواح عن بعضها أو تتقارب، لتشكل سلاسل جبلية تمتد لآلاف الكيلومترات، وأن هذه الألواح في حركة دائمة منذ خلقها الله، وأن الشقوق التي بينها، أو الصدوع تتصل فيما بينها لتشكل صدعا واحد كبيرا، كشبكة العنكبوت المتكونة من خيوط كثيرة تشكل في النهاية نسيجا واحدا.
فهل كان محمد بن عبدالله، عالم جيولوجيا حين بعث، وهل لو كان عالم جيولوجيا، هل كانت لديه الأجهزة التي لم تخترع إلا في زماننا هذا والذي بها تم اكتشاف هذا الصدع؟ ما كان محمد عالم جيولوجيا ولكنه رسول الله الذي علمه ربه ما شاء من العلوم.
ونفس الكلام يقال على ما أنبأ به من أمور وآيات فلكية، وأيضا ينجر الكلام على ما أخبر به في عالم الصحة والتغذية، والتربية، وغيرها وغيرها ……
الذين ينكرون نبوته، هل يثبتون له أن كان أشبه برجل خارق في كل مجالات العلم التجريبي وميادينه وسيرته لا تدل أبدا على أنه كان من المشتغلين بهذه العلوم قبل ولا تحدث عنها من قبل، فمن أخبر محمد بن عبدالله بكل هذه الأمور التي يعجز أهله زمانه كلهم عن أن يعرفوها ولو اجتمعوا، بل يعجز أهل زماننا أن يعرفوها مجتمعة، لأنه من تبحر منهم في باب من أبواب العلم فعلم فيه شيئا جديدا ظهر في الوقت نفسه جهله بميادين أخرى من ميادين العلم، ولكن محمد بن عبدالله يأتينا بما يبهر العقول في كل مجالات الحياة المادية منها والإنسانية، وهذا يستحيل في حق بشر عادي غير مؤيد من الله العليم القدير.
وسؤالي لأصحاب العقول والفطر السليمة، إن كنا نسلم بأن محمد لا يستطيع معرفة هذه الأمور من نفسه والدليل أن أهل زمانه كلهم لم يأتي رجل بمثل ما أتي به محمد، فمن أخبره بهذه الحقائق التي لم يعرفها من غير المسلمين أحد قبل أهل زماننا هذا؟