من محاسن الإسلام: تصديق القرآن للرسالات السابقة”
من محاسن الإسلام: تصديق القرآن للرسالات السابقة“
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من أعظم محاسن الإسلام أنه جاء ليكمل مسيرة الرسالات السماوية السابقة ويؤكد على وحدتها في دعوة الناس إلى عبادة الله وحده. الإسلام لم ينكر أو يرفض ما سبق من كتب سماوية، بل جاء ليصدق عليها ويصحح ما تعرضت له من تحريف أو تغيير. القرآن الكريم، بوصفه آخر الكتب السماوية، يمثل رسالة خاتمة تحمل نفس الدعوة إلى التوحيد التي جاء بها الأنبياء والمرسلون من قبل.
في هذا المقال، سنتناول تصديق القرآن للرسالات السماوية السابقة مثل التوراة والإنجيل، وكيف أن الإسلام يعزز من مفهوم الوحدة بين هذه الرسالات، ويكملها في رسالته النهائية للعالم.
تصديق القرآن للكتب السماوية السابقة
الإسلام يعترف بالكتب السماوية السابقة التي أنزلها الله تعالى على أنبيائه، مثل التوراة التي نزلت على موسى عليه السلام، والإنجيل الذي أُعطي لعيسى عليه السلام. جاء في القرآن الكريم: “إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ” (المائدة: 44) و**”وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ”** (المائدة: 46)، مما يؤكد أن الإسلام يعترف بهذه الكتب ويقر بأنها كانت مصدرًا للهداية والنور للبشر في أوقاتها.
القرآن الكريم لم يأتِ ليعارض تلك الكتب السماوية، بل ليصدق عليها، كما قال الله تعالى: “وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ” (المائدة: 48). معنى “مصدقًا” أنه يؤكد صحة الرسالات السابقة، و”مهيمنًا” يعني أنه جاء ليكون الشاهد والحافظ لها، مصححًا لما قد دخله من تحريف أو تغيير.
وحدة الرسالات السماوية في دعوة التوحيد
من محاسن الإسلام أنه يؤكد على أن جميع الرسالات السماوية كانت تدعو إلى نفس الأساس، وهو توحيد الله وعبادته وحده. لم يكن هناك اختلاف في جوهر الدعوة بين الأنبياء. قال الله تعالى: “شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحًۭا وَٱلَّذِىٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ وَمَا وَصَّيۡنَا بِهِۦٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰٓ أَنۡ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ” (الشورى: 13).
هذا النص القرآني يوضح أن الإسلام ليس دينًا جديدًا منفصلًا، بل هو امتداد لتلك الرسالات، يواصل دعوتها إلى إقامة الدين والتوحيد دون اختلاف في الهدف، ويجمع بين ما جاء به الأنبياء من قبل تحت مظلة واحدة.
القرآن الكريم: خاتم الرسالات السماوية
القرآن الكريم يمثل الرسالة النهائية الشاملة التي أنزلها الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم للعالمين. قال الله تعالى: “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا” (سبأ: 28). هذه الرسالة لم تكن موجهة لقوم معينين أو فترة زمنية محددة، كما كان الحال مع التوراة والإنجيل، بل هي رسالة عالمية لجميع البشر.
القرآن جاء ليكون هاديًا للناس في كل زمان ومكان، وجاء ليصحح ما تم تحريفه من الكتب السابقة وليحفظ الدين في صورته الكاملة. قال الله تعالى: “إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ” (الحجر: 9). وهذا الحفظ الإلهي للقرآن الكريم هو ما يميزه عن باقي الكتب السماوية التي تعرضت للتبديل.
الفرق بين الكتب السماوية السابقة والقرآن الكريم
الكتب السماوية السابقة، مثل التوراة والإنجيل، نزلت لهداية أقوام معينة في أزمنة محددة. ولكن مع مرور الزمن، دخلها التحريف والتغيير، مما أفقدها جزءًا من تعاليمها الأصلية. على النقيض من ذلك، جاء القرآن الكريم محفوظًا من الله، مصونًا من أي تحريف أو تبديل.
بالإضافة إلى ذلك، القرآن ليس فقط كتابًا للعقيدة أو العبادات، بل هو دستور شامل ينظم حياة المسلم في جميع مجالات الحياة، من العبادات إلى الأخلاق والمعاملات والحقوق والواجبات. ولهذا، فهو مرجع أساسي لكل مسلم في حياته اليومية.
القرآن في حياة المسلم
القرآن الكريم يمثل للمسلم المصدر الرئيسي للهداية والتوجيه. قال الله تعالى: “إِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ يَهۡدِي لِلَّتِي هِيَ أَقۡوَمُ” (الإسراء: 9). من خلاله، يسترشد المسلم في كل جوانب حياته، سواء في الأمور الدينية أو الدنيوية. القرآن هو الحبل المتين الذي يربط المسلم بربه، وهو مرجع لا غنى عنه لفهم الإسلام وتطبيقه.
كما أن القرآن يسير مع العقل والقلب معًا، فهو يخاطب الفكر ويحث الإنسان على التفكر والتدبر، مما يجعله دائمًا حاضرًا في حياة المسلم. قال الله تعالى: “أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ” (محمد: 24)، مما يشجع على التأمل في معانيه والعمل بما فيه.
الاستدلال بالقرآن والسنة على تصديق الرسالات السابقة
الإسلام يقر بالكتب السماوية السابقة ويؤكد على تصديقها في مواضع كثيرة من القرآن. يقول الله تعالى: “قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ” (البقرة: 136).
كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: “الأنبياء إخوة لعلات، دينهم واحد وأمهاتهم شتى” (رواه البخاري)، مما يشير إلى أن جوهر الدين واحد، وهو دعوة الناس إلى عبادة الله وحده.
الخاتمة
من أعظم محاسن الإسلام تصديقه للرسالات السماوية السابقة واحترامه لها. فقد جاء القرآن الكريم ليكون خاتمًا ومصدقًا لما سبق من كتب سماوية، وليحفظ الدين في صورته الكاملة والنقية. هذه الميزة تميز الإسلام عن غيره، إذ يؤكد على وحدة الرسالات وتكاملها في دعوة الناس إلى عبادة الله وحده.
القرآن الكريم هو الكتاب الخالد الذي يحمل الهداية للبشرية، وهو الحجة الباقية التي يجب على المسلم أن يسترشد بها في حياته، ليضمن النجاح في الدنيا والآخرة.