من تدابير الإسلام في حفظ النفس

عبدالمجيد سلامة

الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، وأكرمه بالعقل والدين، وجعل حفظ النفس من أعظم مقاصد شريعته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الذي أرسله رحمة للعالمين، فدعا إلى حفظ الأنفس وحرم الاعتداء عليها، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، فإن حفظ النفس هو أحد الضرورات الكبرى التي جاءت الشريعة الإسلامية لصيانتها، فهي نعمة عظيمة من الله تستوجب الرعاية والحماية من كل ما قد يهددها أو يهلكها. وقد وضع الإسلام منظومة متكاملة لحفظ النفس البشرية، تبدأ بتحريم الاعتداء عليها، وتمر بضمان سلامتها جسديًا ونفسيًا، وتنتهي بحماية المجتمع من الجرائم التي تستهدف الأرواح. إن شريعة الإسلام تنظر إلى النفس البشرية على أنها مقدسة، فلا يجوز إزهاقها أو تعريضها للخطر بغير حق، وقد شرع الله الأحكام والتشريعات التي تضمن بقاءها وحمايتها.

أهمية حفظ النفس في الإسلام

النفس هي عماد الحياة، فإذا لم تصان لم يستطع الإنسان أن يؤدي واجباته الدينية أو الدنيوية، ولذلك جعلها الإسلام من الضرورات الخمس التي يجب الحفاظ عليها. فبقاء الحياة واستمرارها يتحقق بحماية النفس من الهلاك والعدوان، سواء كان ذلك من الأفراد أو المجتمعات أو حتى من الإنسان نفسه. ولذا، جاءت التشريعات الإسلامية لتؤكد على قدسية النفس وحرمة قتلها أو تعريضها للأذى.

التدابير الشرعية لحفظ النفس

لقد وضع الإسلام مجموعة من القواعد والتشريعات التي تضمن حماية النفس البشرية، وهي تشمل تحريم القتل، وتشريع الحدود، وإقرار القصاص، وإيجاب الرعاية الصحية، وتشجيع التداوي، وتحريم كل ما يضر بالنفس، وغير ذلك.

أولًا: تحريم الاعتداء على النفس

  1. تحريم القتل بغير حق:
    • جعل الإسلام قتل النفس بغير حق من أعظم الكبائر، فقال تعالى:
      “ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون” (الأنعام: 151).
    • وقال النبي ﷺ: “لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم” (رواه الترمذي).
  2. تشريع القصاص لردع القتلة:
    • فرض الإسلام القصاص كوسيلة لحماية النفوس من الاعتداء، قال تعالى:
      “ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون” (البقرة: 179).
    • وهذا يدل على أن القصاص ليس انتقامًا، بل هو وسيلة لضمان استقرار المجتمع وردع الجريمة.

ثانيًا: الحفاظ على الصحة الجسدية والنفسية

  1. إباحة التداوي والأمر بالبحث عن العلاج:
    • الإسلام يحث على البحث عن العلاج وعدم ترك المرض دون دواء، فقد قال النبي ﷺ: “تداووا فإن الله لم يضع داءً إلا وضع له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله” (رواه أحمد).
    • وهذا يدل على أن الإسلام يوجب على المسلمين الاهتمام بصحتهم وسلامة أبدانهم.
  2. تحريم كل ما يضر بالنفس:
    • من رحمة الإسلام أنه حرّم كل ما قد يؤدي إلى هلاك الإنسان أو إضعاف بدنه، مثل المخدرات، والخمور، والتدخين، وغيرها من الأمور التي تضر بالصحة.
    • قال النبي ﷺ: “لا ضرر ولا ضرار” (رواه ابن ماجه).
  3. الحفاظ على الصحة النفسية:
    • الإسلام لا يهتم فقط بالجانب الجسدي، بل يهتم أيضًا بالصحة النفسية، فأمر المسلمين بالتحلي بالطمأنينة، والابتعاد عن القلق والاضطراب، واللجوء إلى الله عند المصائب، قال تعالى:
      “ألا بذكر الله تطمئن القلوب” (الرعد: 28).

ثالثًا: تحريم الانتحار وإهدار النفس

  1. تحريم الانتحار:
    • الإسلام يعتبر النفس أمانة، فلا يجوز للإنسان أن يزهقها مهما كانت الظروف، قال تعالى:
      “ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا” (النساء: 29).
    • وقال النبي ﷺ: “من قتل نفسه بشيء في الدنيا عُذِّب به يوم القيامة” (رواه مسلم).
  2. الأمر بالصبر عند المصائب:
    • الإسلام يحث على الصبر وتحمل الشدائد وعدم الاستسلام لليأس، لأن الحياة مليئة بالابتلاءات، فقال النبي ﷺ: “عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير…” (رواه مسلم).

رابعًا: حماية المجتمع من الجرائم التي تهدد النفس

  1. تشريع الحدود كوسيلة لحماية الأرواح:
    • فرض الإسلام الحدود مثل حد الحرابة، وذلك لمنع الفساد في الأرض، حيث قال الله تعالى:
      “إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض” (المائدة: 33).
  2. الأمر بإقامة العدل ونبذ الظلم:
    • الظلم سبب رئيسي في إزهاق الأرواح، ولذلك شدد الإسلام على إقامة العدل، وحذّر من الظلم، فقال النبي ﷺ: “اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة” (رواه مسلم).
  3. تحريم الثأر والفوضى في القصاص:
    • الإسلام يمنع أخذ الحق باليد دون الرجوع إلى ولي الأمر، مما يحافظ على الأمن والاستقرار.

خامسًا: تشجيع التكافل الاجتماعي لحماية النفس من الهلاك

  1. إيجاب الزكاة والصدقات:
    • فرض الإسلام الزكاة كوسيلة لحماية الفقراء من الهلاك بسبب الجوع أو الحاجة، قال تعالى:
      “وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين” (البقرة: 43).
  2. إعانة المحتاجين وإغاثة الملهوف:
    • من أعظم وسائل حفظ النفس أن يكون المجتمع متعاونًا ومتراحمًا، حيث قال النبي ﷺ: “المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه” (رواه البخاري).

خاتمة

الحمد لله الذي حفظ النفس وجعلها أمانة، وشرع لها من الأحكام ما يضمن صيانتها من كل أذى، ونسأله سبحانه أن يرزقنا حسن الفهم لدينه، والعمل بشرعه، وأن يجعلنا من الذين يسعون لحفظ النفس وصونها، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *