زيت الزيتون (الشجرة المباركة)

زيت الزيتون من الثمار اللذيذه وزيته ألذ أنواع الزيوت النباتية طعما وأكثرها فائدة للجسم، ومن قرأ في القرآن الكتاب المنزل على محمد بن عبدالله خاتم رسل الله صلى الله عليه وسلم، وجد أمرا ملفتا للنظر، ألا وهو حديثه عن الزيتون وشجرته وزيته، بصوره لم تحدث في كتاب سماوي غيره ولا حتى في كتاب من كتب البشر التي سبقت نزول القرآن، وذلك لأن القرآن كتاب هداية للناس جميعا يهديهم إلى الله تعالى، لتحيا قلوبهم وتصح بمعرفة ربها وبالتعبد له، وكذلك هداية للناس إلى ما تصح به أبدانهم، وما تصح به حياتهم في كل مجالاتها، وعبر كل الدهور، من لحظة نزوله في غار حراء إلى يرفع من الصدور والسطور قبل قيام الساعة.
إنك حين تنظر للتدابير الإلهية في مجال حفظ الصحة تجد القرآن والسنة يذخران بجملة من الآيات والأحاديث التي تهدي الناس لأفضل ما يجعلهم في أحسن وأصح حال.

وإذا أخذت ثمرة الزيتون وزيتها على سبيل المثال لرأيتها مذكورة في القرآن والسنة في أكثر من آية وحديث، ففي القرآن وردت في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: 99]
وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141]
وقوله تعالى: {يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 11]
وقوله تعالى: {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ} [المؤمنون: 20]
وقوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور: 35]
وقوله تعالى: {وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا} [عبس: 29]
وقوله تعالى: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} [التين: 1]
وجاء الأمر بالأكل من زيت الزيتون والدهان به، في قول النبي صلى الله عليه وسلم وهو يأمر أمته في الحديث الذي رواه عنه عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضى الله عنه أنه قال قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُوا الزَّيْتَ وَادَّهِنُوا بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ» (1)
يحق للإنسان أن يتأمل في هذه الآيات وهذا الحديث ويتسائل لم كل هذا الإهتمام بهذه الثمرة وزيتها، أليست ثمرة من مئات الثمار؟
فلماذا كل هذا الإهتمام بها في الكتاب المنزل على محمد بن عبدالله؟
إن هذه التساؤلات ربما في الماضي كانت إجاباتها غير موجودة، ولكن المؤمنون برسالة محمد بن عبدالله ما كان يشغل بالهم مثل هذه التساؤلات، لأنهم يؤمنون أن محمدا ما كان ينطق عن هواه، إنما ينطق بوحي أوحاه إليه الله خالق السموات والأرض وخالق كل شيء، فهم يؤمنون بأن وراء تكرر ذكرها إشارة لهم بأهمية هذه الثمرة لصحتهم.
ولكننا صرنا في زمان يسأل أهله عن علل الأمور والأشياء، ليؤمن بصدقها، أي يعرض الإيمان على عقله أولا، لا أنه يجعل العقل تابعا للإيمان.
تعالوا لنرى ما أسفر عنه العلم التجريبي اليوم حين قام بدراسة هذه الثمرة.
في بحث جديد لكلية هانتر New York City’s Hunter College ذهل العلماء عندما وجدوا أن زيت الزيتون يقتل الخلايا السرطانية بسرعة كبيرة بحدود 30 دقيقة فقط!
والغريب في هذا البحث أن المادة الموجودة في زيت الزيتون وهي Oleocanthal تدمر الخلية السرطانية وتحافظ على الخلية السليمة!!
والأغرب من ذلك أن هذه المادة Oleocanthal تقوم بإعطاء معلومة للخلية السرطانية فتقوم هذه الخلية من خلال إنزيمات في داخلها بالانتحار على الفور .. وهذا يدل على أن زيت الزيتون يحوي في جزيئاته معلومات أو برامج تدفع الخلية السرطانية لتدمير نفسها!!! (2)
وفي دراسة أخرى تبين أن زيت الزيتون وبخاصة هذه المادة Oleocanthal يساعد على الوقاية من الزهايمر أو مرض تلف خلايا الدماغ الذي يفقد الذاكرة حسب جامعة University of Louisiana. فهذه المادة تنشط خلايا الدماغ وربما تساعدها على تنظيم عملها وإطالة عمرها والتخفيف من تدمير الخلايا. (3)
في عامِ (1986) ظهرتْ أوّلُ دراسةٍ موضوعيةٍ عن أثرِ زيتِ الزيتونِ في تخفيضِ كوليسترول الدمِ، وأظهرتْ دراسةٌ أخرى تَبِعَتْهَا أنّ أمراضَ شرايينِ القلبِ، واحتشاءَ العضلةِ القلبيةِ كانت نادرةً، بل شبهَ معدومةٍ في جزيرةِ (كريت)، بسببِ أنّ أهلَ هذه الجزيرةِ يأكلون مِن زيتِ الزيتونِ كمياتٍ لا تُوصَف كثرةً، وقد قال عليه الصلاةُ والسلامُ في الحديثِ الصحيحِ: “كُلُوا الزَّيْتَ فَإِنَّهُ مُبَارَكٌ، وَائْتَدِمُوا بِهِ، وَادَّهِنُوا بِهِ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ”.
قبْلَ عشرِ سنواتٍ تقريباً كان كلُّ الأطباءِ يَنْهَوْنَ مَن يشكو مِن ارتفاع الكوليسترول في دمه عنْ أكلِ زيتِ الزيتونِ، وقد اكتُشِف الآن عكسُ ذلك، حيث إنّ زيتَ الزيتونِ يخفِّضُ نسبةَ الكوليسترول الضارّ في جسمِ الإنسانِ، ويرفعُ نسبةَ الكوليسترول النافعَ.
إنّ زيتَ الزيتونِ أسهلُ أنواعِ الزيوتِ هضماً، وفيه قيمةٌ وقائيةٌ، وعلاجيةٌ، وغذائيةٌ، وأجمعَ الأطبّاءُ الآنَ على أنّ هذا الزيتَ له تأثيرٌ علاجيٌّ عجيبٌ، مِن هذا التأثيرِ أنه يمكنُ أنْ نستخدمَه لخفضِ الضغطِ المرتفعِ، ويُستخدَم لمرضِ السكرِ، ويُستخدَم لوقايةِ الشرايينِ، والأوعية مِن تصلُّبِها، وترسُّبِ الموادِّ الدهنيةِ على جُدُرِها.
وأظهرت التحليللاتُ الدقيقةُ أنّ مئةَ غرامٍ من زيتِ الزيتونِ فيها غرامٌ بروتينات، وأحدَ عشر غراماً من الدسمِ، وفيه بوتاسيوم، وكالسيوم، ومغنيزيوم، وفسفورٌ، وحديدٌ، ونحاسٌ، وكبريتٌ، وفيه أليافٌ، وهو غنيٌّ بأهمِّ الفيتاميناتِ المتعلقةِ بتركيبِ الخلايا ونشاطِها، والمتعلقةِ بالتناسلِ، وسلامةِ العظام، وهو غذاءٌ للدماغ، وغذاء للأطفال، وله تأثيرٌ في تفتيتِ حصياتِ المرارةِ والمثانةِ.
هذه كلُّها أبحاثٌ علميةٌ قُدِّمَتْ في مؤتمراتٍ عِلميةٍ، تثبت أنّ النبيَّ عليه الصلاةُ والسلامُ لا ينطقُ عن الهوى، إنْ هو إلا وحيٌ يوحَى.

وغيرها من الدراسات التي أثبت أن لشجرة الزيتون ولزيتها خصائص لا تتوفر في غيرها من النباتات، إن الإسلام ليس دينا رهبانيا يعتزل أصحابه في صوامع يتعبدون لله فقط، بل هو دين جمع كل ما فيه مصالح الناس، في كل شئون حياتهم، وطلب منهم فقط التسليم لله لينعموا بالفضل العظيم في الدنيا والجنة في الآخرة؟ ولايشترط أن يبين للناس علة كل حكم يأمره به أو يحضهم على فعله، لأن اللإسلام جاء للبشرية كلها منذ بعث محمد رسول الله إلى قيام الساعة، ومعلوم أن العلوم تتطور فما يخفي على أهل زمان يبدو لغيرهم في غاية الوضوح.
والسؤال الآن من الذي أخبر محمد بن عبدالله بهذه الآيات في زمان ما كان الناس يعلمون فيه شيئا عن خصائص الزيتون وفوائده؟

——————
(1) سنن الترمذر برقم (1851) قال الألباني: حديث صحيح.
(2) موسوعة الكحيل نقلا عن:
Ingredient in Olive Oil Looks Promising in the Fight Against Cancer, http://news.rutgers.edu/research-news/ingredient-olive-oil-looks-promising-fight-against-cancer/20150211#.VOjD 2 C 6 YjLV, 12 – 2 – 2015.
(3) موسوعة الكحيل نقلا عن:
Oleocanthal, Compound In Extra Virgin Olive Oil, Could Protect Against Alzheimer’s Disease, http://www.huffingtonpost.com/2013/03/31/olive-oil-alzheimers-disease-extra-virgin-amyloid-beta_n_2935483.html, 31 – 3 – 2013.

أين التاريخ لينبئنا؟

هل زرت يوما الهند القديمة؟ أو كنت هناك عند إختفاء مدينتها؟
هل كنت هناك في شرق الإسكندرية تنظر حين غاصت في البحر المدينة؟
هل ذرت يوما بحر البلطيق؟ أو غصت يوما تحت مياهه؟
بالطبع لم تزر هذه المدن القديمة.
ربما زرت منطقة البطريق، وربما غصت تحت مياهها فماذا رأيت بها؟
هل ساءلت يوما التاريخ ليجبك من صفحاته عن مدن هلكت في غابر الدهر؟
لقد اكتشف العلماء في الهند القديمة مدينة كاملة غرفت في البحر قبل 9500 عام، كما اكتشفوا مدينة غرقت في البحر المتوسط شرق مدينة الإسكندرية الحالية قبل 1500 عام.
كما اكتشف العلماء مدينة غرقت في بحر البلطيق قبل 10.000 عام.
وكم من مدينة اكتشفها العلماء غارقة في أعماق المياه أو تحت بحار الرمال، أو مطمورة في باطن الأرض أو مخسوفة؟
لقد اكتشف العلماء أن هذه المدن كانت تربطها جميعا سمة واحدة رغم اختلافها في الموقع الجغرافي واختلاف موقعها الزماني، هذه السمة هي الكفر بالله والطغيان وعبادة غير الله، فكثير من هذه المدن وجدت بها تماثيل وأصنام تعبد من دون الله.
نحن المسلمون نؤمن أن هذه القرى لا حق لها في عبادة غير الله تعالى ولا عذر لهم في هذه العبادة، وأن الله ما كان ليهلكهم إلا بعد أن يبعث لهم رسلا مبشرين ومنذرين.
قال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24]، فهذه الأمة الهالكة وغيرها، قد بعث الله إليهم رسلا يبشرونهم برحمة الله إن هم أطاعوه وعبدوا الله، وينذرونهم عذاب الله إن هم كذبوه وكفروا بالله.، قال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [القصص: 59]
وما أخذ امة إلا وقد بين لها طريق الهدى، ولكن بعضهم يقبله، والبعض يعرض عنه، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [إبراهيم: 4] فكان الله عز وجل يرسل الرسول إلى الأمة من الأمة بلسانهم ليفهموا ما يقول، وليتبين لهم ما أرسل إليهم به، لذا فلا نؤمن بأن هذه الأمم الهالكة كانت تعبد إلهة غير الله من باب أنهم فكروا وتوصلوا بعد النظر والبحث إلى ضرورة عبادة إله، وأنهم لم يجدوا إله يستحق العبادة إلا ما عبدوه، أو أنهم تطوروا في العبادة حتى توصلوا في نهاية الأمر إلى عبادة الله.
أبدا هذا كله كلام باطل، روجته قلوب زائغة عن الهدى، وعقول تدبر للخراب، فمنذ أن أهبط آدم إلى الأرض والناس تعبدالله، فلما اندرست العبادة وظهر الشرك أرسل الله رسله ليردوهم إلى الطريق القويم وهو عبادة الله وحده لا شريك له، في أي مكان كان على وجه الأرض وعبر كل الزمان، ما ترك الله الخلق دون أن يبين لهم الطريق الحق في قضية العبودية.
فعندما نتأمل الآن في تلك المدن التي تم اكتشافها وقد هلكت من قبل في سالف الزمان، نعلم أنها هلكت بسبب ذنوبها، لكن نتسائل أين تاريخ هذه الأمم وفي أي كتب التاريخ ذكرت؟
و هل لم تكن موجودة من قبل لذا فالتاريخ لم يذكر شيئا عنها؟ أم أنها كانت موجودة ولكن التاريخ قاصر عن تسجيل حالها وتدوين ما كان من شأنها من نظم للحياة السياسية و العسكرية و الإجتماعية و الأخلاقية والتجارية وغيرها.
إننا اليوم ندرس آثار الأمم الفانية لنعلم بعض ما كانت عليه، وقد نوفق في ذلك وقد نخطيء في الوصول إلى حقيقة ما كانت عليه.
لكن يبقي كتاب واحد ينسب لرجل لم يشاهد هلاك هذه الأمم ولم يكن موجودا وقتها، ينبئنا أن هذه الأمم هلكت بسبب طغيانها، وأن الله جعل بعض آثارها باقية لتنبيء الناس عن أخبارها، و هناك أمم أخرى هلكت في البحر بالغرق، فحين تطالع هذا الكتاب الكريم، تجد قول الله تعالى: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت: 40]

من هذه الأمم من كان هلاكها بإرسال الحجارة عليها، ومنهم من أخذته الصيحة، والصيحة صوت ملك من الملائكة وفي هذا بيان لأن من الصوت ما يقتل، وهذا ما توصل إليه العلم التجريبي مؤخرا، ومنهم من ابتلعته الأرض، ومنهم من أغرقه الله، أي أغرق المدينة بأهلها، وفي الآية المذكورة هنا بيان لصدق نبوة محمد أيضا، إذا كيف عرف أن هناك قرى هلكت بالصيحة، وبدهي أنه لا يستطيع بشر أن ينبيء أنها هلكت بالصيحة، إذا لو سمعها لهلك هو الآخر، فكيف وصل خبر هلاكها بالصيحة لمحمد؟ ومن يسمع الصيحة يهلك؟
وهل كان محمد بن عبدالله حاضرا يشاهد هلاك هذه الأمم، وكيف يحضر هلاكهم وهم في زمان غير زمانه؟
فهناك من هلكت قبل ولادته بعشرات ومئات القرون، كلها هلكت بسبب الكفر بالله، فالسمة المشتركة بين هذه المدن الهالكة هو الكفر والطغيان.
مؤكد أن محمدا لم يكن هناك وقت هلاكها، فمن الذي أخبره قبل أربعة عشر قرنا من الزمان، بحقائق لم تكتشف إلا في عصرنا هذا؟

{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ}

كل يوم يفاجئنا العلم التجريبي بأخبار اكتشافات لم تكن على بال البشر، فترى العالم الباحث يفرح بإكتشافه، وترى الفضائيات والمواقع الإخبارية تسابق في نشر الخبر، فيندهش الناس ويتناقلون الخبر، هذا قد يفعله أهل الكتاب، وقد يفعله اللادينيون والملحدون.
لكن رجل واحد لم يحركه الخبر، وإنما زاده إيمانا وتسليما ويقينا، ويقول وقتها آمنت بالله، إن هذا الرجل الذي أتحدث عنه هو الرجل المسلم، نعم إنه المسلم.
ولماذا لا يندهش المسلم كما اندهش غيره، وقد يكون من عوام المسلمين، ليس باحثا ولا خبيرا، إنما هو رجل عادي يعمل بيده في بستان، أو يحمل الحجارة ليعلي البنيان، إنه لا يندهش لأنه علم هذا الخبر الذي أدهش العالم، قبل ذلك بزمان، ربما وهو طفل صغير، سمعه من أبيه أو سمعه من شيخ في المسجد.
إذا تكلمنا عن السماء، فلقد اكتشف العلماء اليوم ما يسمي بالنسيج الكوني وهم قد أخطأوا في التسمية فهو ليس نسيجا كونيا، ولكنه نسيج السماء الدنيا، ونحن كمسلمين نؤمن بأن الله خلق سبع سماوات، وأن اكتشافات العلماء إنما هي في السماء الدنيا فقط، لأن السماوات الأخرى لا يستطيعون إكتشاف شيء منها، لماذا لأن الله أخبر الجن والإنس إنهم لن يستطيعوا ذلك قال تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [الرحمن: 33].
فلن يتمكنوا من اكتشاف السماوات الأخرى، ليبقوا تحت قهر الله لا يكتشفون إلا ما أراد لهم أن يكتشفوه، فإكتشافاتهم ليست بكفاءتهم ولكنها تيسير الله لهم ليروا بأعينهم آياته الدالة عليه وعلى صدق رسله، وليتحقق ما أنبأ به أنه سيكون، قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: 53]
فالله عز وجل، وعد بانه سيرى المشركين آياته في الآفاق وفي أنفسهم ذاتهم، ليتبين لهم أن ما أنزله على رسوله من الوحي والرسالة بما فيها، هو الحق، فعليهم أن يؤمنوا به، ولما لا يؤمنون وقد جاءتهم البراهين على صدق نبيه وصدق ما أخبر به من الوحي.
وليقيم عليهم الحجة إن لم يؤمنوا بمحمد بن عبدالله رسول الله الذي أرسله للعالمين بشيرا ونذيرا، لذا فالله عز وجل سيسأل المعرضين عن آياته ورسله بعدما رأو آياته، فلم يؤمنوا بها، سيسألهم يوم القيامة حين يبعثون بعد الموت فيقول لهم: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ} [الأنعام: 130].

إن العلماء اليوم اكتشفوا النسيج الكوني بالسوبر كمبيوتر وبملايين الصور التي إلتقتطها عدسات المناظير السابحة في السماء.
وأنا كمسلم أعترض على هذه التسمية، ولا أقبلها، فهي تسمية خاطئة، فما يسميه الغرب بالنسيج الكوني ليس نسيجا كونيا، وإنما هو نسيج سماوى، والكون أكبر من ذلك بكثير، فالكون يشمل السماوات السبع وما بينهما، مما لا يعلمه إلا الله، والأراضين السبع، وإذا أردنا المعني اللغوي الصحيح، فإنما اسمه (الحبك السماوي) مع الأخذ في الحسبان أنها السماء الدنيا، هذا ما ينبغي أن يستعمله الباحثون.
الحبك السماوي معناه أن السماء تتكون من نسيج من المجرات، نسيج متشابك متلاحم تماما كنسيج الثوب، فالسماء إنما هي ثوب واحد منسوج من المجرات بنجومها وكواكبها.

فلماذا سبق المسلمون إلى هذا الكشف قبل أربعة عشر قرنا من الزمان؟
الجواب لأن محمد بن عبدالله أخبرهم بهذا لما تلى عليهم القرآن الذي أنزله الله عليه، قال تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ} [الذاريات: 7] فتعالوا نرى معني الحبك في اللغة العربية:
جاء في (الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية) للفارابي المتوفي سنة 393 هجرية: حَبَكَ الثوب يَحْبِكُهُ بالكسر حَبْكاً، أي أجادَ نسجه.
وجاء في مقاييس اللغة: حَبَكَ) الْحَاءُ وَالْبَاءُ وَالْكَافُ أَصْلٌ مُنْقَاسٌ مُطَّرِدٌ ; وَهُوَ إِحْكَامُ الشَّيْءِ فِي امْتِدَادٍ وَاطِّرَادٍ. يُقَالُ بَعِيرٌ مَحْبُوكُ الْقَرَى، أَيْ قَوِيُّهُ. وَمِنَ الِاحْتِبَاكِ الِاحْتِبَاءُ، وَهُوَ شَدُّ الْإِزَارِ ; وَهُوَ قِيَاسُ الْبَابِ.
وَحُبُكُ السَّمَاءِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ} [الذاريات: 7]، فَقَالَ قَوْمٌ: ذَاتِ الْخَلْقِ الْحَسَنِ الْمُحْكَمِ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْحُبُكُ الطَّرَائِقُ، الْوَاحِدَةُ حَبِيكَةٌ. وَيُرَادُ بِالطَّرَائِقِ طَرَائِقُ النُّجُومِ.
وَيُقَالُ كِسَاءٌ مُحَبَّكٌ، أَيْ مُخَطَّطٌ.
فحبك الشيء نسجه، وحبك الأشياء مع بعضها أي نظمها بصورة تبدو معها طرق بينها وبين بعضها، فهل هذا المعنيان يبدوان في الصور الملتقطة لما سماه العلماء بالنسيج الكوني؟
وقال ابن عادل المتوفي سنة ابن عادل – 880 هـ:
{والسماء ذَاتِ الحبك} العامة على الحُبُك – بضمتين – قال ابن عباس وقتادة وعكرمة: ذاتِ الخلق الحسن المستوي، يقال للنساج إذا نَسَجَ الثَوْبَ فَأَجَاد: ما أحْسَنَ حَبْكهُ. وقال سعيد بن جبير: ذاتِ الزّينة أي المزينة بزينة الكواكب. قال الحسن: حُبِكَتْ بالنُّجوم. وقال مجاهد: هي المتقنة المبنيّات. وقال مقاتل والكلبي والضحاك: ذات الطرائق كحَبْك الماء إذا ضَرَبَتْهُ الرِّيح، وحَبْكِ الرَّمل والشّعر الجَعْد وهو آثار تَثَنِّيه وَتَكسُّرِهِ.
وقال ابن كثير في تفسيره: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ} قال ابن عباس: ذات البهاء والجمال والحسن والاستواء، ثم ذكرا عددا من السلف يقولون هذا القول، ثم قال: وقال الحسن بن أبي الحسن البصري: {ذَاتِ الْحُبُكِ}: حبكت بالنجوم.

وأسألك أيها القاريء الكريم، هل لفت نظرك قول ابن عباس، ذات الجمال والحسن والإستواء؟ هل لفتت نظرك لفظة الإستواء؟
إن الباحثين اليوم لم يصلوا لنهاية السماء، فمعلوم أن كل شيء له بداية ونهاية، فما هي نهاية السماء وأين تكون؟
لا أحد من الناس يدري، لكن السماء مع أن المجرات والنجوم تدور إلا أنها ككل أي كل المجرات المكونة للسماء إنما هي تكون سماء مستوية كصندوق من البلاستيك له طول وعرض وارتفاع به جسيمات تدور فيما بينها حول مراكزها وتكون فيما بينها نسيجا واحدا، فتبقي حركة كل جسيم منه دائرية حول مركزه، لكنها ككل إنما تأخذ شكل الجسم الذي وضعت فيه والذي له طول وعرض وارتفاع، لتتناغم السماء التي هي مخلوقة مع سائر المخلوقات التي لها بداية ونهاية، فالسماء لم تنشأ من نفسها لتخالف كل ما في الكون أنه له بداية ونهاية.
ولقد فهم السلف من الآية أن السماء مستوية، أي السماء ككل منسوجة في استواء، وهذا أمر لم يتمكن العلم التجريبي من إثباته حتى الآن.
لكن نحن المسلمون نعلم هذا، لأن السماء لو كانت كروية لما كان لها بداية ونهاية على الحقيقة، وإنما كانت بدايتها ونهايتها نسبية، كرجل وضع على الكرة نقطة ثم سار منها حتى عاد إليها، فقاس محيطها، أما السماء فغير ذلك لها بداية ولها نهاية، ولقد جاء ذلك في قرآننا قال تعالى: {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم: 14] فبين الله تعالى أن للسماء السابعة منتهي، وبالتالي فالسماء الدنيا التي نراها لها منتهى، وما دام لها منتهي فهي ليست كروية وإنما ذات سطح مستوى.
ربما أكون قد خضدت في أمور تزيد عن النسيج السماوي، ولكن لأبين أن العلم الحق إنما هو عند علماء المسلمين، وأنهم لو ساروا الآن على ما سار عليه أسلافهم، لكان للدنيا وجه آخر، لكنه قدر الله الذي لا مفر منه، ولتقوم حجة الله على غير الخلق جميعا وليتحقق موعود الله لغير المسلمين أنه سيريهم الدلائل على أنه الإله الحق قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: 53] فأكثر الكشوف في هذا الزمان على أيدي غير المسلمين ليتحقق موعود الله في الآية.
ونعود الآن لنتسائل من أخبر محمد وهو في قلب الصحراء أن السماء الدنيا منسوجة؟ هل كان محمد بن عبدالله لديه وقتها الصور الملتقطة بالتلسكوبات العارجة في السماء الآن، أم كان لديه السوبر كمبيوتر الذي إخترعه العلماء في زماننا هذا؟
إذا لم تكن هذه الأشياء معه في الصحراء لتعمل بغير كهرباء إذ لم تكن الكهرباء معروفة عند العرب وقتها، فمن الذي أخبره؟

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *