“جمال المناجاة: محاسن الفاتحة في حوار العبد مع ربه”

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول:
«قال الله تعالى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: {الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، قَالَ اللهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، قَالَ اللهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، -وَقَالَ مَرَّةً: فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي-، فَإِذَا قَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}، قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ».
📚 رواه مسلم (395)
 أولا: شرح الحديث وفق منهج أهل السنة والجماعة
  1. معنى قوله: “قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ
  • المقصود بـ الصلاةهنا هو سورة الفاتحة، لأنها ركن أساسي في الصلاة، ولا تصح الصلاة بدونها.
  • قَسّم الله الفاتحة إلى قسمين:
    • النصف الأول: حق الله (ثناء وتمجيد وتعظيم).
    • النصف الثاني: حق العبد (دعاء وطلب).
  • هذه القسمة تدل على رحمة الله وحكمته في ترتيب العبادات، فالله يبدأ بتعليم العبد كيف يثني عليه، ثم يوجهه لطلب الحاجات.
  1. تفسير الآيات كما وردت في الحديث
أ. قوله: {الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، قَالَ: “حَمِدَنِي عَبْدِي
  • الحمد لله“: إثبات استحقاق الله للحمد المطلق على كل نعمه.
  • رب العالمين“: تأكيد توحيد الربوبية، فالله هو الخالق والرازق والمدبر لكل شيء.
  • رد الله: “حمدني عبدي“:
    • فيه إثبات صفة الكلام لله تعالى على الحقيقة، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، بلا تحريف ولا تعطيل.
    • فيه دليل على محبة الله للثناء عليه، وهذا يربي المسلم على شكر الله على نعمه الدائمة.
ب. قوله: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، قَالَ: “أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي
  • الرحمن الرحيم“: تأكيد سعة رحمة الله بعباده، وهي تشمل المؤمن والكافر في الدنيا، وتخص المؤمنين في الآخرة.
  • رد الله: “أثنى عليّ عبدي“:
    • فيه تعليم أهمية تمجيد الله بصفاته، خاصة الرحمة، لأن ذلك يقوي الرجاء في الله.
ج. قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، قَالَ: “مَجَّدَنِي عَبْدِي” (وفي رواية: “فوض إليّ عبدي”)
  • مالك يوم الدين“: إثبات توحيد الأسماء والصفات، فالله هو المالك المطلق ليوم الحساب، ولا يملك أحد سواه الحكم والجزاء.
  • رد الله: “مجدني عبدي“:
    • التمجيد هو الثناء على الله بكمال صفاته.
    • هذا يربي العبد على الخوف من الله واليقين بعدله يوم القيامة.
  • فوض إليّ عبدي“: أي أن العبد سلّم أمره لله، ووثق بحكمه.
د. قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، قَالَ: “هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ
  • إياك نعبد“: تحقيق توحيد الألوهية، فلا يعبد إلا الله وحده.
  • إياك نستعين“: إثبات وجوب التوكل على الله في كل الأمور.
  • رد الله: “هذا بيني وبين عبدي“:
    • إياك نعبد“: حق الله، فهو المعبود وحده.
    • إياك نستعين“: حق العبد، حيث يحتاج إلى معونة الله في كل شيء.
هـ. قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ…}، قَالَ: “هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ
  • اهدنا الصراط المستقيم“: طلب الهداية من الله، وهو أعظم الأدعية.
  • رد الله: “هذا لعبدي ولعبدي ما سأل“:
    • يدل على أن الدعاء سبب عظيم لنيل الهداية.
    • الهداية من الله وحده، لا من البشر.
 
ثانيا: محاسن الإسلام في الحديث
  1. عظمة التوحيد وإفراده لله بالعبادة
    • الإسلام يُربي العبد على التوحيد الخالص، كما في {إياك نعبد وإياك نستعين}.
  2. القرب من الله وإجابته لدعاء العبد
    • الله يجيب العبد عند كل آية، مما يبين عظمة الإسلام في ربط العبد بربه مباشرة.
  3. الحث على الدعاء وطلب الهداية
    • {اهدنا الصراط المستقيم} تدل على أن الهداية لا تأتي إلا من الله.
  4. إثبات أسماء الله وصفاته كما وردت
    • الحديث يثبت كلام الله وسماع دعاء العبد واستجابته له، مما يخالف أهل البدع الذين ينكرون ذلك.
 
ثالثا: محاسن أسماء الله الحسنى الواردة في الحديث
  1. الله“: المعبود الحق الذي يستحق كل عبادة.
  2. الرب“: الخالق المدبر لشؤون الخلق.
  3. الرحمن الرحيم“: الرحمة الواسعة في الدنيا والآخرة.
  4. مالك يوم الدين“: العدل المطلق يوم القيامة.
  5. الهادي(دلالة تشريعية): لأنه يهدي عباده إلى الصراط المستقيم.
  6. المجيب(دلالة تشريعية): لأنه يجيب دعاء العبد عند قراءة الفاتحة.
 
رابعا: محاسن الإسلام التي هذا الحديث من مقتضى آثارها
  1. تحقيق العبودية الخالصة لله
    • الحديث يؤكد أن كل العبادات يجب أن تكون لله وحده.
  2. تربية العبد على الرجاء والخوف من الله
    • ذكر الرحمة والملك يوم القيامة يحقق التوازن بين الرجاء والخوف.
  3. توضيح أهمية الصلاة وأثرها في القرب من الله
    • الفاتحة جزء أساسي من كل صلاة، مما يبين أهمية الصلاة في الإسلام.
  4. بيان عدل الله ورحمته في استجابة الدعاء
    • الحديث يوضح أن الله يستجيب لعباده إذا دعوه بصدق.
 
الخاتمة
هذا الحديث القدسي من أعظم الأحاديث التي تُظهر محاسن الإسلام، وعظمة التوحيد، وقرب الله من عباده. وهو دليل على مكانة الصلاة في الإسلام، حيث جعل الله سورة الفاتحة حوارًا بين العبد وربه.
هذا هو منهج أهل السنة والجماعة في فهم الحديث، وهو يرسخ العقيدة الصحيحة بعيدًا عن التحريف والتأويل الباطل.

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *