السماء تمطر حديدا
هل جربت يوما المشي في ليلة انهمر فيها المطر؟
أوهل رأيت المصابيح البعيدة، وكيف ترقص أضواءها المنعكسة على وجه الأرض بسبب زخات المطر؟
أوهل رأيت كيف تبتلع شقوق الأرض المياه، وكيف تمتليء بها الحفر؟
أوهل رأيت كيف يمنح السحاب الأرض نفسه، وكيف تلقي الأرض هذا العطاء بعد شوق وانتظار، كأنهما حبيبان إلتقيا على موعد بعد طول غياب؟
أوهل رأيت الصبية وهم ينشدون وكأنهم يحثون المطر على الزيادة والهطل؟
و هل رأيتهم يسرعون يختبئون في أحضان الأمهات أو رأيتهم يفركون أياديهم فوق الموقد بعدما أشعلوا في صحن البيت الحطب؟
أو رأيتهم كيف يتجاسر بعضهم فيشرف من صحن البيت إلى خارج الدار كأنه البطل المغوار يلقى جيشا من الصناديد؟ فأي انتصار يشعر به هذا الصغير لأنه صمد لحظات تحت زخات المطر.
وهل سرحت يوما بخيالك قاريء العزيز، لترى كيف تتحول الصور الجميلة التي نراها عند المطر، لو كنا على كوكب يمطر بدل الماء الحديد؟
لا تتعجب ولا تمنع خيالك من أن يطوف ليتصور كيف الحياة لو كان هذا واقع كوكبنا، وإحمد الله أن إختار لنا كوكب الأرض ولم يختر لنا كوكبا تمطر سماؤه حديدا.
أثبتت الدراسات العلمية، أن هناك في الكون أجراما تمطر الحديد كما تمطر على الأرض سحابات البرد والماء.
من هذه الأجرام جرم أطلق عليه العلماء اسمه Luhman 16 B ويبعد عنا 64 تريليون كيلومتر، ميزة هذا الجرم أن الغلاف الجوي له مليء بعنصر الحديد السائل، والذي يتكثف بصورة أشبه بتكثف بخار الماء في الغلاف الجوي للأرض مكونة سحاب الماء، لكن هذا الجرم تتكون في سمائه سحابات الحديد والذي يكون في غلافه أشبه بسحب مكثفة من الحديد ثم ينزلها بقدرة الله على شكل أمطار حديدية، وتصل درجة حرارة السحب الحديدية إلى 927 درجة مئوية.
واكتشف العلماء حتى الآن بضعة مئات من هذه الأجرام السماوية التي تمطر الحديد، ويقول العلماء إن الأرض تعرضت خلال فترة تشكلها وعبر ملايين السنين إلى نزول الكثير من النيازك الحديدية التي ضربت الأرض واخترقت طبقاتها واستقرت في مركز الأرض، وذلك عندما كانت الأرض كرة ملتهبة في بداية تشكلها، فعنصر الحديد لا يمكن أن يتشكل على الأرض لأن ذرة الحديد بحاجة لكمية هائلة من الطاقة حتى تتشكل وهذه الطاقة لا تتوفر إلا في النجوم البعيدة.
هذه بعض الحقائق العلمية المكتشفة في زماننا هذا؟ فهل تكلم القرآن عن هذه الحقيقة، كما تكلم عن عشرات غيرها، ليؤكد أن القرآن كلام الله حق وأن محمدا نبي الله صدقا؟
إنك إن فتحت القرآن وتأملت ما بين دفتيه، لوجدت فيه سورة كاملة اسمها الحديد، قال الله تعالى فيها: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد: 25]
قال الطبري في تفسير الآية:
حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الحسين، عن علباء بن أحمر، عن عكرِمة عن ابن عباس، قال: ثلاثة أشياء نزلت مع آدم صلوات الله عليه: السندان والكلبتان، والميقعة، والمطرقة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وأنْزَلْنا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ قال: البأس الشديد: السيوف والسلاح الذي يقاتل الناس بها وَمَنافِعُ للنّاسَ بعد، يحفرون بها الأرض والجبال وغير ذلك
وقال السمرقندي المتوفي سنة 373 هـ:
عن عكرمة أنه قال: {وَأَنزْلْنَا الحديد} يعني: أنزل الله تعالى الحديد لآدم عليه السلام، العلاة، والمطرقة، والكلبتين فيه بأس شديد.
وقال السمعاني المتوفي سنة 489 هـ:
(أنزلنا الحديد) فيه قولان: أحدهما: أن معناه: وخلقنا الحديد وأحدثناه. والقول الثاني: أن المراد به هو الإنزال من السماء حقيقة
وقال ابن جزي المتوفي سنة 741 هـ:
{وأنزلنا الحديد} خبر عن خلقه وإيجاده بالإنزال وقيل: بل أنزله حقيقة لأن آدم نزل من الجنة ومعه المطرقة والإبرة.
وهكذا نري مفسرى الإسلام قالوا بإنزال الحديد حقيقة، فقد عرفوا ذلك من الآيات المنزلة على محمد قبل أربعة عشر قرنا من الزمان، في حين أن علماء العصر لم يكتشفوا ذلك إلا في عصرنا هذا.
أما كون أن المنزل من السماء: المطرقة والعلاة والكلبتين وغير ذلك من الأدوات فلم تثبت صحته عن محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، إنما الثابت ما جاء في القرآن من إنزال جنس الحديد، لا بعض المعدات الحديدية.
وهكذا نرى مفسرو الإسلام يسبقون البشرية في فهمهم وتصورهم ومعرفتهم بكثير من الحقائق العلمية التي لم يعلمها الناس في الغرب إلا في زماننا هذا، ليبقي ذلك شاهد على أن دين محمد بن عبدالله هو دين الله العلى الخبير الذي خلق الكونه كله متجانس ومتكامل ليؤدي وظيفتة التي خلقه الله لأجلها
.
فمن الذي أخبر محمد بن عبدالله أن الحديد أنزل إلى الأرض من السماء؟