السلام في الإسلام: مبدأ أساسي في العقيدة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي أمر بالعدل والإحسان ونهى عن الفحشاء والبغي والعدوان، وأوصى عباده بالرحمة والمحبة، والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين، سيدنا محمد الذي جاء برسالة سلام للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام في الإسلام ليس مجرد كلمة، بل هو مبدأ أساسي وجوهري في العقيدة الإسلامية، يعكس روح المحبة والتعايش بين الأفراد والشعوب. الإسلام مشتق من جذر “سلم” الذي يحمل معاني السلم والسلام، مما يشير إلى أن تحقيق السلام هو غاية من غايات الدين الإسلامي. وقد جاءت الشريعة الإسلامية بأحكام تدعو إلى السلم، بدءًا من العلاقات بين الأفراد، إلى مستوى العلاقات الدولية بين الأمم.
السلام في الإسلام يبدأ بتحقيق السلام الداخلي، من خلال إيمان الفرد بالله عز وجل والامتثال لأوامره والابتعاد عن المحرمات. هذا السلام الداخلي يُمكّن الإنسان من العيش بطمأنينة، بعيدًا عن القلق والتوتر. يرتبط السلام الداخلي بالعبادات التي تقوي صلة الإنسان بربه، مثل الصلاة والصوم، حيث تؤدي هذه العبادات إلى تطهير النفس وزرع الطمأنينة في القلب، كما قال الله تعالى: “الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ” (الرعد: 28).
كما أن السلام بين الناس من القيم الأساسية التي دعا إليها الإسلام. فقد أمر الله عباده بإفشاء السلام بينهم، وجعل التحية الإسلامية “السلام عليكم” رمزًا دائمًا لهذه الفضيلة. جاء في الحديث النبوي: “لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم” (رواه مسلم). هذا الحديث يوضح كيف يسهم السلام في بناء المحبة بين الأفراد، ويعزز التماسك الاجتماعي.
الإسلام لا يقتصر على السلام بين الأفراد، بل يتعدى ذلك إلى السلام في العلاقات الدولية. فقد شرع الإسلام السلام مع غير المسلمين ودعا إلى التعايش معهم على أساس العدل والاحترام المتبادل. ومن الأمثلة على ذلك معاهدات الصلح التي أبرمها النبي محمد صلى الله عليه وسلم مع القبائل والديانات المختلفة. ومن أبرز هذه المعاهدات، صلح الحديبية، الذي أرسى قواعد التفاهم والتعايش السلمي بين المسلمين وقريش، رغم الخلافات الدينية.
كما يحث الإسلام على نبذ العنف والعدوان، ويؤكد على أن الحرب في الإسلام ليست هدفًا، بل هي استثناء تلجأ إليه الدولة الإسلامية فقط للدفاع عن النفس أو رد العدوان. قال الله تعالى: “وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ” (الأنفال: 61). هذه الآية تؤكد حرص الإسلام على تحقيق السلام متى ما كان ذلك ممكنًا.
تحقيق السلام في المجتمع يتطلب أيضًا الالتزام بمبادئ العدل والإنصاف. فالظلم يولد النزاعات والصراعات، في حين أن العدل يحقق السلام والاستقرار. لذلك، جعل الإسلام إقامة العدل من أعظم القيم التي يجب أن تسود بين الناس. قال الله تعالى: “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ” (النحل: 90).
ختامًا، يتضح أن السلام في الإسلام ليس مجرد دعوة لفظية، بل هو منظومة متكاملة تشمل السلام الداخلي، والسلام بين الأفراد، والسلام بين الأمم. هذه القيم تجعل الإسلام رسالة عالمية تهدف إلى تحقيق الخير والطمأنينة للبشرية جمعاء. ومع تزايد التحديات والصراعات في العالم اليوم، يمكن لتعاليم الإسلام أن تسهم في نشر ثقافة السلام والتعايش بين البشر، مما يعزز الأمل في بناء عالم أكثر عدلًا وسلامًا.