اتساع الكون

بعث محمد صلى الله عليه وسلم بشريعة، جزم العقلاء بأنها حوت ما فيه مصالح الخلق جميعا، وكفي بها حسنة من محاسن الدين الذي بعث به، فما جاء دين سماوى إلا وقد شرع الله فيه ما يصلح حال العباد ثم جرت فيه سنة التحريف، ولقد جاءت الشريعة المحمدية جامعة كل خير فيما سبقها من شرائع، وزادت عليها تشريعات جديدة لما عملت بها الفئة المؤمنة صاروا هم أصحاب المدينة الفاضلة التي كان يحلم بها فلاسفة الغرب قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، فعاشت الفئة المؤمنة بالشريعة المحمدية مدة من الدهر لم تعشها أمة منذ خلق الله الأرض، ومكن الله لهم في الأرض وقهر بهم دولتي الظلم والطغيان الفرس والروم، ثم انطلقوا في ربوع الأرض ينشرون رحمة الله ويضيئون به للبشرية مصابيح كشف عنها بأنوارها ظلمات الجهل والكفر والطغيان.
ولقد ضرب المسلمون في حسن التعامل مع الغير في السلم والحرب أفضل المثل، ولقد جرى بينهم وبين غيرهم من المعاملات السامية ما لم يجري بين أمة وغيرها منذ خلق الله الأرض إلى أن تقوم الساعة.
وكفي بهذه المنزلة الراقية برهانا على بيان فضل الإسلام وأنه هو دين الله حقا وصدقا، فلقد جاء في التشريع والتنظيم بما عجز عقول البشر عن الإتيان بمثله، وجاء في مجال العقيدة بما يوافق فطرة الله التي فطر عليها البشر.
ولكننا نرى مع هذا أن الكتاب الذي حوى هذه الشريعة لم يكتف بتنظيم العلاقات بين البشر بعضهم البعض، ولكن نظم نظرة المسلم إلى الكون الذي يحيا فيه، فلقد أنزلت آيات تتحدث عن السماء وبناءها ونجومها وسبحها والأرض وصدعها وسبلها في تناسق موضوعي بديع وترابط بين الآيات والمعاني وثيق، ليكون المسلم المتمسك بدينه صورة عن الكون كله القريب منه والبعيد، فلقد تكلم القرآن وتكلمت السنة عن الشمس ذلك النجم القريب منا، ولم يكتف بهذا حتى تكلم عما هو أبعد من هذا فتكلم عن نشأة الكون، وعن السماء الغير منظورة بالعين المجردة وعن النجوم ومواقعها.

ثم يأتي العلم الحديث بآلاته ومخترعاته ونظرياته ليرسم لنا صورة للكون الذي لا نراه بأعيننا المجردة، فإذ به وهو في نشوة ظفره بشيء يحسبه جديدا يجد المسلم العادي في قلب الصحراء العالم باللغة العربية والمتصل بكتاب تلاوة وتدبرا قد سبقه إلى العلم بهه، فهو يعلم ما لم يعلمه العلماء المتخصصون إلا بأحدث الأجهزة والمسابر الفلكية الحديثة، ثم هم يعلمونه الآن، وهو قد ورث علمه عن نبي أخبرهم به قبل أربعة عشر قرنا من الزمان.
نعم هذه حقيقة المسلم العادي في قلب الصحراء قبل أربعة عشر قرنا من الزمان هو أعلم بحقائق الكون من علماء الفيزياء وغيرهم من أصحاب العلوم التجريبية في هذا الزمان، وذلك لأنه تلقي هذه الحقائق من ربه سبحانه وتعالى عبر أعلى سند في الوجود ألا وهو محمد عن جبريل عن رب العالمين، وساعدته في ذلك لغتة العربية، التي علم بها من المعاني ما لم يعلمه بعض العلماء الآن.
هذه حقيقة ولكنها بين قوم منهزمون نفسيا وفكريا ولا حول ولا قوة إلا بالله، قوم ألقي في قلوبهم الوهن، وهو حب الدنيا وكراهية الموت،
من هذه الحقائق العلمية أن السماء ليست فراغا بل هي بناء متماسك وأن الكون في اتساع مستمر وأن هذا الكون سيصل من الإتساع غاية يكور بعدها في عملية عكسية.
قال تعالى في كتابه الكريم: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات: 47]، قوله تعالى {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} قد فهم منه المفسرون أكثر من معنى وكلها معاني محتملة.

قال ابن الجوزي: “وفي قوله: {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} خمسة أقوال: أحدها: لموسِعون الرِّزق بالمطر، قاله الحسن.
والثاني: لموسِعون السماء، قاله ابن زيد
والثالث: لقادرون، قاله ابن قتيبة.
والرابع: لموسِعون ما بين السماء والأرض، قاله الزجاج.
والخامس: لذو سعة لا يضيق عمّا يريد، حكاه الماوردي”.

وقال ابن منظور في لسان العرب: “وأَوْسَعَه ووَسَّعَه صيَّره واسعاً، وقوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} أَراد جعلنا بينها وبين الأَرض سَعةً، جعل أَوْسَعَ بمعنى وَسَّعَ، وقيل أَوْسَعَ الرجلُ صار ذا سَعةٍ وغِنًى، وقوله: {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} أَي أَغنِياءُ قادِرون، ويقال أَوْسَعَ الله عليك أَي أَغناكَ ورجل مُوسِعٌ وهو المَلِيءُ”.

وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير: “والمُوسِع: اسم فاعل من أوسع، إذا كان ذا وُسع، أي قدرة. وتصاريفه جائية من السَّعة، وهي امتداد مساحة المكان ضد الضيق”
. ويقول القطان في تفسيره: {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} يعني أن هذا الكون فيه أمور تذهل لما يتسع فيه من المجرّات والأجرام السماوية التي تتمدد وتتسع دائماً”.

كانت البشرية قبل الإسلام وإلى وقت قريب باستثناء المجتمع الإسلامي، لا تتصور السماء إلا مسرحا للخيالات والخبالات، حتى ظهرت حركة البحث العلمي في عالمنا المعاصر، وابتكرت ما ابتكرت من وسائل إستطاعت أن ترى بها من السماء ما كان في السابق غيب بالنسبة لها.
يقول الدكتور زغلول النجار المتخصص في بيان الإعجاز العلمي للقرآن والسنة تحت عنوان: بدايات تعرف الإنسان على ظاهرة توسع الكون ما يلي:
(إلى مطلع العقد الثاني من القرن العشرين، ظل علماء الفلك ينادون بثبات الكون وعدم تغيره، في محاولة يائسة لنفي الخلق، والتنكر للخالق سبحانه وتعالى، حتى ثبت عكس ذلك بتطبيق ظاهرة دوبلر على حركة المجرات الخارجة عن مجرتنا، ففي النصف الأول من القرن التاسع عشر، كان العالم النمساوي دوبلر C.Doppler قد لاحظ أنه عند مرور قطار سريع يطلق صفارته فإن الراصد للقطار يسمع صوتاً متصلاً ذا طبقة صوتية ثابتة، ولكن هذه الطبقة الصوتية ترتفع كلما اقترب القطار من الراصد، وتهبط كلما ابتعد عنه، وفسر دوبلر السبب في ذلك بأن صفارة القطار تطلق عدداً من الموجات الصوتية المتلاحقة في الهواء، وأن هذه الموجات تتضاغط تضاغطاً شديداً كلما اقترب مصدر الصوت، فترتفع بذلك طبقة الصوت، وعلى النقيض من ذلك، فإنه كلما ابتعد مصدر الصوت تمددت تلك الموجات الصوتية حتى تصل إلي سمع الراصد، فتنخفض بذلك طبقة الصوت.

كذلك لاحظ دوبلر أن تلك الظاهرة تنطبق أيضاً على الموجات الضوئية، فعندما يصل إلى عين الراصد ضوء منبعث من مصدر متحرك بسرعة كافية، يحدث تغير في تردد ذلك الضوء، فإذا كان المصدر يتحرك مقترباً من الراصد فإن الموجات الضوئية تتضاغط وينزاح الضوء المدرك نحو التردد العالي (أي نحو الطيف الأزرق)، وتعرف هذه الظاهرة باسم الزحزحة الزرقاء، وإذا كان المصدر يتحرك مبتعداً عن الراصد، فإن الموجات الضوئية تتمدد وينزاح الضوء المدرك نحو التردد المنخفض (أي نحو الطرف الأحمر من الطيف)، وتعرف هذه الظاهرة باسم الزحزحة الحمراء، وقد اتضحت أهمية تلك الظاهرة عندما بدأ الفلكيون في استخدام أسلوب التحليل الطيفي للضوء القادم من النجوم الخارجة عن مجرتنا في دراسة تلك الأجرام السماوية البعيدة جداً عنا.

ففي سنة 1914 م أدرك الفلكي الأمريكي سلايفر Slipher أنه بتطبيق ظاهرة دوبلر على الضوء القادم إلينا من النجوم في عدد من المجرات البعيدة عنا، ثبت له أن معظم المجرات التي قام برصدها تتباعد عنا وعن بعضها البعض بسرعات كبيرة، وبدأ الفلكيون في مناقشة دلالة ذلك، وهل يمكن أن يشير إلى تمدد الكون المدرك، بمعنى تباعد مجراته عنا وعن بعضها البعض بسرعات كبيرة؟،وبحلول سنة 1925 تمكن هذا الفلكي نفسه Slipher من إثبات أن أربعين مجرة قام برصدها تتحرك فعلاً في معظمها بسرعات فائقة متباعدة عن مجرتنا (سكة التبانة)، وعن بعضها البعض.

وفي سنة 1929 م تمكن الفلكي الأمريكي الشهير إدوين هبل Edwin Hubble من الوصول إلى الاستنتاج الفلكي الدقيق الذي مؤداه: أن سرعة تباعد المجرات عنا تتناسب تناسبا طردياً مع بعدها عنا، والذي عرف من بعد باسم قانون هبل Hubble sLaw وبتطبيق هذا القانون تمكن هبل من قياس أبعاد العديد من المجرات، وسرعة تباعدها عنا، وذلك بمشاركة من مساعده ملتون هيوماسون Milton Humason الذي كان يعمل معه في مرصد جبل ولسون بولاية كاليفورنيا، وذلك في بحث نشراه معاً في سنة 1934 م.

وقد أشار تباعد المجرات عنا وعن بعضها البعض، إلى حقيقة توسع الكون المدرك، التي أثارت جدلاً واسعاً بين علماء الفلك، الذين انقسموا فيها بين مؤيد ومعارض حتى ثبتت ثبوتاً قاطعاً بالعديد من المعادلات الرياضية والقراءات الفلكية في صفحة السماء.

ففي سنة 1917 م أطلق ألبرت أينشتاين A.Einstein نظريته عن النسبية العامة لشرح طبيعة الجاذبية، وأشارت النظرية إلى أن الكون الذي نحيا فيه غير ثابت، فهو إما أن يتمدد أو ينكمش وفقاً لعدد من القوانين المحددة له، وجاء ذلك على عكس ما كان أينشتاين وجميع معاصريه من الفلكيين وعلماء الفيزياء النظرية يعتقدون، انطلاقاً من محاولاتهم اليائسة لمعارضة الخلق، وقد أصاب أينشتاين الذعر عندما اكتشف أن معادلاته تنبئ -رغم أنفه- بأن الكون في حالة تمدد مستمر، ولذلك عمد إلى إدخال معامل من عنده أطلق عليه اسم الثابت الكوني، ليلغي حقيقة تمدد الكون من أجل الادعاء بثباته واستقراره، ثم عاد ليعترف بأن تصرفه هذا كان أكبر خطأ علمي اقترفه في حياته.

وقد قام العالم الهولندي وليام دي سيتر Williamde Sitter بنشر بحث في نفس السنة (1917 م) استنتج فيه تمدد الكون انطلاقاً من النظرية النسبية ذاتها.

ومنذ ذلك التاريخ بدأ الاعتقاد في تمدد الكون يلقى القبول من أعداد كبيرة من العلماء، فقد أجبرت ملاحظات كل من سلايفر (1914 م)، ودي سيتر (1917 م)، وهبل ومساعده هيوماسون (1934 م) جميع الفلكيين الممارسين، وعدداً من المشتغلين بالفيزياء النظرية، وفي مقدمتهم ألبرت أينشتاين، ومجموعة البحث العلمي بجامعة كمبردج، والمكونة من كل من هيرمان بوندي Herman Bondi وتوماس جولد Thomas Gold وفريد هويل Fred Hoyle

والتي ظلت إلى مشارف الخمسينيات من القرن العشرين تنادي بثبات الكون، وقد تبين فيما بعد أن المجرات لا تبتعد فقط عنا، بل هي تتباعد فيما بينها كذلك، وهذا يعني أن الكون يتوسع على الدوام) انتهى.

ونتسائل الآن: لو القرآن من عند محمد، أما كان يكفيه ما في شريعته من محاسن فلا يتطرق للحديث عن أمور غيرها؟
وإذا كان قد تحدث عن أمور ما علمها المتخصصون إلا بعد وفاته بقرون مديدة وعديدة وهو لا يملك تلسكوب هابل ولا يملك مركبات ولا سفن فضائية بل يعيش في قلب الصحراء في بيت سقفه من جريد ثم يأتي بحقائق لم يكتشفها العلماء إلا الآن فمن الذي أخبره بهذا؟.

اتساع الكون

بعث محمد صلى الله عليه وسلم بشريعة، جزم العقلاء بأنها حوت ما فيه مصالح الخلق جميعا، وكفي بها حسنة من محاسن الدين الذي بعث به، فما جاء دين سماوى إلا وقد شرع الله فيه ما لايصلح حال العباد، ولقد جاءت الشريعة المحمدية جامعة كل خير فيما سبقها من شرائع، وزادت عليها تشريعات جديدة جعلت الفئة المؤمنة هم أصحاب المدينة الفاضلة التي كان يحلم بها فلاسفة الغرب قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، فعاشت الفئة المؤمنة بالشريعة المحمدية مدة من الدهر لم تعشها أمة منذ خلق الله الأرض.
ولقد ضرب المسلمون في حسن التعامل مع الغير في السلم والحرب أفضل المثل، ولقد جرى بينهم وبين غيرهم من المعاملات السامية ما لم يجري بين أمة وغيرها منذ خلق الله الأرض إلى أن تقوم الساعة.
وكفي بهذه المنزلة الراقية برهانا على بيان أن الإسلام هو دين الله حقا وصدقا، فلقد جاء في التشريع والتنظيم بما عجز عقول البشر عن الإتيان بمثله.
ولكننا نرى مع هذا أن الكتاب الذي حوى هذه الشريعة لم يكتف بتنظيم العلاقات بين البشر بعضهم البعض، ولكن نظم نظرة المسلم إلى الكون الذي يحيا فيه، فلقد أنزلت آيات تتحدث عن السماء ونجومها والأرض وسباها في تناسق موضوعي بديع وترابط بين الآيات والمعاني وثيق، ليكون المسلم المتمسك بدينه صورة عن الكون كله القريب منه والبعيد، فلقد تكلم القرآن وتكلمت السنة عن الشمس ذلك النجم القريب منا، ولم يكتف بهذا حتى تكلم عما هو أبعد من هذا فتكلم عن نشأة الكون، وعن السماء الغير منظورة بالعين المجردة وعن النجوم ومواقعها.
ثم يأتي العلم الحديث بآلاته ومخترعاته ونظرياته ليرسم لنا صورة للكون الذي لا نراه بأعيننا المجردة، فإذ به في نشوة ظفره بشيء جديد يجد المسلم العادي في قلب الصحراء العالم باللغة العربية والمتصل بكتاب تلاوة وتدبرا يعلم ما لم يعلمه العلماء المتخصصون إلا بأحدث الأجهزة والمسابر الفلكية الحديثة.
نعم هذه حقيقة المسلم العادي في قلب الصحراء قبل أربعة عشر قرنا من الزمان هو أعلم بحقائق الكون من علماء الفيزياء في هذا الزمان، وذلك لأنه تلقي هذه الحقائق من ربه سبحانه وتعالى عبر أعلى سند في الجنود ألا وهو محمد عن جبريل عن رب العالمين، وساعدته في ذلك لغتة العربية، التي علم بها من المعاني ما لم يعلمه بعض العلماء الآن.
هذه حقيقة ولكنها بين قوم منهزمون نفسيا وفكريا ولا حول ولا قوزة إلا بالله، من هذه الحقائق حقيقة أن السماء ليست فراغا بل هي بناء متماسك وأن الكون في اتساع مستمر وأن هذا الكون سيصل من الإتساع غاية يكور بعدها في عملية عكسية.
قال تعالى في كتابه الكريم: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) [الذاريات: 47]
قوله تعالى (وإنا لموسعون) قد فهم منه المفسرون أكثر من معنى وكلها معاني محتملة.

قال ابن الجوزي: “وفي قوله: ?وإنّا لَموسِعونَ? خمسة أقوال: أحدها: لموسِعون الرِّزق بالمطر، قاله الحسن. والثاني: لموسِعون السماء، قاله ابن زيد. والثالث: لقادرون، قاله ابن قتيبة. والرابع: لموسِعون ما بين السماء والأرض، قاله الزجاج. والخامس: لذو سعة لا يضيق عمّا يريد، حكاه الماوردي”.

وقال ابن منظور في لسان العرب: “وأَوْسَعَه ووَسَّعَه صيَّره واسعاً، وقوله تعالى: ?وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ? أَراد جعلنا بينها وبين الأَرض سَعةً، جعل أَوْسَعَ بمعنى وَسَّعَ، وقيل أَوْسَعَ الرجلُ صار ذا سَعةٍ وغِنًى، وقوله ?وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ? أَي أَغنِياءُ قادِرون، ويقال أَوْسَعَ الله عليك أَي أَغناكَ ورجل مُوسِعٌ وهو المَلِيءُ”.

وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير: “والمُوسِع: اسم فاعل من أوسع، إذا كان ذا وُسع، أي قدرة. وتصاريفه جائية من السَّعة، وهي امتداد مساحة المكان ضد الضيق” (14). ويقول القطان في تفسيره: “?وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ?: يعني أن هذا الكون فيه أمور تذهل لما يتسع فيه من المجرّات والأجرام السماوية التي تتمدد وتتسع دائماً”.

كانت البشرية قبل الإسلام وإلى وقت قريب باستثناء المجتمع الإسلامي، لا تتصور السماء إلا مسرحا للخيالات والخبالات، حتى ظهرت حركة البحث العلمي في عالمنا المعاصر، وابتكرت ما ابتكرت من وسائل إستطاعت أن ترى بها من السماء ما كان في السابق غيب بالنسبة لها.
يقول الدكتور زغلول النجار المتخصص في بيان الإعجاز العلمي للقرآن والسنة تحت عنوان: بدايات تعرف الإنسان على ظاهرة توسع الكون ما يلي:
(إلى مطلع العقد الثاني من القرن العشرين، ظل علماء الفلك ينادون بثبات الكون وعدم تغيره، في محاولة يائسة لنفي الخلق، والتنكر للخالق سبحانه وتعالى، حتى ثبت عكس ذلك بتطبيق ظاهرة دوبلر على حركة المجرات الخارجة عن مجرتنا، ففي النصف الأول من القرن التاسع عشر، كان العالم النمساوي دوبلر C.Doppler قد لاحظ أنه عند مرور قطار سريع يطلق صفارته فإن الراصد للقطار يسمع صوتاً متصلاً ذا طبقة صوتية ثابتة، ولكن هذه الطبقة الصوتية ترتفع كلما اقترب القطار من الراصد، وتهبط كلما ابتعد عنه، وفسر دوبلر السبب في ذلك بأن صفارة القطار تطلق عدداً من الموجات الصوتية المتلاحقة في الهواء، وأن هذه الموجات تتضاغط تضاغطاً شديداً كلما اقترب مصدر الصوت، فترتفع بذلك طبقة الصوت، وعلى النقيض من ذلك، فإنه كلما ابتعد مصدر الصوت تمددت تلك الموجات الصوتية حتى تصل إلي سمع الراصد، فتنخفض بذلك طبقة الصوت.

كذلك لاحظ دوبلر أن تلك الظاهرة تنطبق أيضاً على الموجات الضوئية، فعندما يصل إلى عين الراصد ضوء منبعث من مصدر متحرك بسرعة كافية، يحدث تغير في تردد ذلك الضوء، فإذا كان المصدر يتحرك مقترباً من الراصد فإن الموجات الضوئية تتضاغط وينزاح الضوء المدرك نحو التردد العالي (أي نحو الطيف الأزرق)، وتعرف هذه الظاهرة باسم الزحزحة الزرقاء، وإذا كان المصدر يتحرك مبتعداً عن الراصد، فإن الموجات الضوئية تتمدد وينزاح الضوء المدرك نحو التردد المنخفض (أي نحو الطرف الأحمر من الطيف)، وتعرف هذه الظاهرة باسم الزحزحة الحمراء، وقد اتضحت أهمية تلك الظاهرة عندما بدأ الفلكيون في استخدام أسلوب التحليل الطيفي للضوء القادم من النجوم الخارجة عن مجرتنا في دراسة تلك الأجرام السماوية البعيدة جداً عنا.

ففي سنة 1914 م أدرك الفلكي الأمريكي سلايفر Slipher أنه بتطبيق ظاهرة دوبلر على الضوء القادم إلينا من النجوم في عدد من المجرات البعيدة عنا، ثبت له أن معظم المجرات التي قام برصدها تتباعد عنا وعن بعضها البعض بسرعات كبيرة، وبدأ الفلكيون في مناقشة دلالة ذلك، وهل يمكن أن يشير إلى تمدد الكون المدرك، بمعنى تباعد مجراته عنا وعن بعضها البعض بسرعات كبيرة؟،وبحلول سنة 1925 تمكن هذا الفلكي نفسه Slipher من إثبات أن أربعين مجرة قام برصدها تتحرك فعلاً في معظمها بسرعات فائقة متباعدة عن مجرتنا (سكة التبانة)، وعن بعضها البعض.

وفي سنة 1929 م تمكن الفلكي الأمريكي الشهير إدوين هبل Edwin Hubble من الوصول إلى الاستنتاج الفلكي الدقيق الذي مؤداه: أن سرعة تباعد المجرات عنا تتناسب تناسبا طردياً مع بعدها عنا، والذي عرف من بعد باسم قانون هبل Hubble sLaw وبتطبيق هذا القانون تمكن هبل من قياس أبعاد العديد من المجرات، وسرعة تباعدها عنا، وذلك بمشاركة من مساعده ملتون هيوماسون Milton Humason الذي كان يعمل معه في مرصد جبل ولسون بولاية كاليفورنيا، وذلك في بحث نشراه معاً في سنة 1934 م.

وقد أشار تباعد المجرات عنا وعن بعضها البعض، إلى حقيقة توسع الكون المدرك، التي أثارت جدلاً واسعاً بين علماء الفلك، الذين انقسموا فيها بين مؤيد ومعارض حتى ثبتت ثبوتاً قاطعاً بالعديد من المعادلات الرياضية والقراءات الفلكية في صفحة السماء.

ففي سنة 1917 م أطلق ألبرت أينشتاين A.Einstein نظريته عن النسبية العامة لشرح طبيعة الجاذبية، وأشارت النظرية إلى أن الكون الذي نحيا فيه غير ثابت، فهو إما أن يتمدد أو ينكمش وفقاً لعدد من القوانين المحددة له، وجاء ذلك على عكس ما كان أينشتاين وجميع معاصريه من الفلكيين وعلماء الفيزياء النظرية يعتقدون، انطلاقاً من محاولاتهم اليائسة لمعارضة الخلق، وقد أصاب أينشتاين الذعر عندما اكتشف أن معادلاته تنبئ -رغم أنفه- بأن الكون في حالة تمدد مستمر، ولذلك عمد إلى إدخال معامل من عنده أطلق عليه اسم الثابت الكوني، ليلغي حقيقة تمدد الكون من أجل الادعاء بثباته واستقراره، ثم عاد ليعترف بأن تصرفه هذا كان أكبر خطأ علمي اقترفه في حياته.

وقد قام العالم الهولندي وليام دي سيتر Williamde Sitter بنشر بحث في نفس السنة (1917 م) استنتج فيه تمدد الكون انطلاقاً من النظرية النسبية ذاتها.

ومنذ ذلك التاريخ بدأ الاعتقاد في تمدد الكون يلقى القبول من أعداد كبيرة من العلماء، فقد أجبرت ملاحظات كل من سلايفر (1914 م)، ودي سيتر (1917 م)، وهبل ومساعده هيوماسون (1934 م) جميع الفلكيين الممارسين، وعدداً من المشتغلين بالفيزياء النظرية، وفي مقدمتهم ألبرت أينشتاين، ومجموعة البحث العلمي بجامعة كمبردج، والمكونة من كل من هيرمان بوندي Herman Bondi وتوماس جولد Thomas Gold وفريد هويل Fred Hoyle

والتي ظلت إلى مشارف الخمسينيات من القرن العشرين تنادي بثبات الكون، وقد تبين فيما بعد أن المجرات لا تبتعد فقط عنا، بل هي تتباعد فيما بينها كذلك، وهذا يعني أن الكون يتوسع على الدوام)
ونتسائل الآن: لو القرآن من عند محمد، أما كان يكفيه ما في شريعته من محاسن فلا يتطرق للحديث عن أمور غيرها؟ وإذا كان قد تحدث عن أمور ما علمها المتخصصون إلا بعد وفاته بقرون مديدة وعديدة وهو لا يملك تلسكون هابل ولا يملك مركبات ولا سفن فضائية بل يعيش في قلب الصحراء في بيت سقفه من جريد ثم يأتي بحقائق لم يكتشفها العلماء إلا الآن فمن الذي أخبره بهذا؟.

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *